استشاري نفسي: اضطراب ما بعد الصدمة يطال 1% إلى 3% من أطفال غزة
الفن واللعب.. أدوات شفاء الأطفال من صدمات الحرب

تُخلّف الحروب آثارًا نفسية عميقة على الأطفال، حيث يتعرضون لصدمات تفوق قدرتهم على الاستيعاب والتكيف، وبعد توقف الحرب في غزة، يواجه هؤلاء الأطفال تحديات كبيرة تتطلب تدخلًا نفسيًا واجتماعيًا فوريًا لضمان تعافيهم واستقرارهم.
ويناقش هذا التقرير تأثير الحروب على نفسية الأطفال، كيفية رصد علامات الصدمة، دور الفن واللعب في العلاج، ودور الأهل والمجتمع في تقديم الدعم النفسي الأولي.
كيف تؤثر الحروب على نفسية الأطفال؟
وفقًا للدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، فإن الحروب تؤثر على الأطفال بطرق مختلفة، إذ يتراوح تأثيرها من القلق العابر إلى اضطراب ما بعد الصدمة.
ويشير إلى أن 1% إلى 3% من الأطفال الذين شهدوا الحرب قد يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، بينما يتمكن البقية من تجاوز الأحداث مع مرور الوقت.
يتجلى التأثير النفسي للحرب على الأطفال في الأعراض التالية:
- القلق والاكتئاب: يصبح الأطفال أكثر توترًا وانفعالًا.
- الشعور بالخوف والفزع: قد تتطور لديهم فوبيا من الأصوات العالية والمواقف المشابهة للحرب.
- اضطرابات النوم: يعانون من الأرق، الكوابيس، والاستيقاظ المفاجئ.
- تغيرات سلوكية: مثل العدوانية أو الانسحاب الاجتماعي.
- اضطرابات جسدية: مثل الصداع وآلام المعدة بدون أسباب طبية واضحة.
- النكوص: مثل التبول اللاإرادي أو العودة إلى سلوكيات طفولية مثل مص الأصابع.
- اضطرابات في الكلام: مثل التلعثم أو التأتأة.
يؤكد الدكتور فرويز أن الأطفال الذين تعرضوا لمشاهد الدمار والجثث قد يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة بشكل أكثر وضوحًا، مما يجعلهم بحاجة إلى تدخل نفسي متخصص.
كيف نرصد علامات الصدمة ونتعامل معها؟
يرى الدكتور فرويز أن رصد علامات الصدمة يتطلب مراقبة دقيقة لسلوكيات الأطفال، خاصة في الجوانب التالية:
- التغيرات في الأكل والنوم: أي اضطراب في الشهية أو النوم قد يكون مؤشرًا على الصدمة.
- التغيرات السلوكية: إذا أصبح الطفل عصبيًا أو انعزاليًا.
- الرسم والتعبير الفني: قد يظهر الأطفال تجاربهم المؤلمة من خلال الرسم، مثل رسم منازل مدمرة أو جثث.
- الكلام والتفاعل: الأطفال الذين يعانون من الصدمة قد يواجهون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بالكلام.
آليات التعامل مع الأطفال المصابين بالصدمات النفسية:
- يجب أن يبقى الطفل في بيئته الأسرية وعدم فصله عن أهله بحجة العلاج النفسي، إذ أن الدعم العائلي أساسي في التعافي.
- مراقبة الطفل عن كثب والتأكد من أن احتياجاته العاطفية يتم تلبيتها.
- التحدث مع الطفل بلغة بسيطة لفهم مشاعره، والسماح له بالتعبير عن نفسه دون ضغط.
- تقديم العلاج النفسي المتخصص، مثل العلاج المعرفي السلوكي، العلاج بالفن، والعلاج باللعب.
- دعم الأهل نفسيًا، لأن استقرارهم ينعكس إيجابيًا على الأطفال.
ما دور الفن واللعب في علاج الأطفال المتأثرين بالحروب؟
يشير الدكتور فرويز إلى أن العلاج بالفن واللعب يعدّ من أهم الوسائل العلاجية للأطفال الذين تعرضوا للصدمات. فعندما يتمكن الطفل من اللعب، فإنه يستعيد الشعور بالأمان والتوازن النفسي.
أهمية الفن واللعب في العلاج:
- التفريغ العاطفي: يتيح الرسم، الموسيقى، واللعب فرصة للطفل للتعبير عن مشاعره بشكل غير لفظي.
- إعادة بناء الشعور بالأمان: يساهم اللعب في استعادة الشعور بالروتين والاستقرار.
- تعزيز التواصل الاجتماعي: يساعد اللعب الجماعي في تحسين مهارات الطفل الاجتماعية.
- تقليل التوتر والخوف: من خلال المشاركة في أنشطة ممتعة ومريحة.
أمثلة على العلاج بالفن واللعب:
إعطاء الطفل أوراقًا وأقلامًا لرسم ما يشعر به، وتشجيعه على اللعب بالمجسمات والدمى لإعادة تمثيل الأحداث والتعبير عن مشاعره، واستخدام الموسيقى والغناء كوسيلة لتخفيف القلق والتوتر.
دور الأهل والمجتمع في تقديم الدعم النفسي الأولي
يلعب الأهل والمجتمع دورًا محوريًا في دعم الأطفال نفسيًا بعد الحرب، من خلال اتباع الاستراتيجيات التالية:
- التواصل مع الأطفال بصدق ووضوح: يجب إخبارهم بالحقيقة بطريقة تتناسب مع عمرهم وقدرتهم على الفهم، مما يساعدهم في تقليل القلق والخوف.
- الاستماع إليهم بعناية: السماح للأطفال بالتعبير عن مشاعرهم دون مقاطعة أو تقليل من أهمية مخاوفهم.
- توفير بيئة آمنة ومستقرة: الحفاظ على الروتين اليومي يساعد الأطفال على الشعور بالأمان.
- تقليل التعرض للأخبار الصادمة: يجب منع الأطفال من مشاهدة الصور العنيفة والمروعة في وسائل الإعلام.
- تنظيم أنشطة ترفيهية: تشجيعهم على ممارسة الرياضة، اللعب، والفنون للتخفيف من التوتر.
- اتباع نمط حياة صحي: توفير طعام صحي، قسط كافٍ من النوم، وتعليمهم تقنيات التنفس العميق.
- تعزيز الجانب الروحي: تعليمهم أهمية الدعاء والتفاؤل.
- طلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة: في حالات الصدمة الشديدة، يجب استشارة طبيب نفسي متخصص.
وفي هذا الصدد، يؤكد الدكتور فرويز أن لمسح رأس الطفل واحتضانه، كما أوصى الرسول ﷺ، يخفف من معاناته النفسية بشكل كبير، حيث أن الدعم العاطفي المباشر يعزز الشعور بالأمان.
بعد انتهاء الحرب، يصبح من الضروري توفير بيئة آمنة ومستقرة للأطفال لمساعدتهم على التعافي النفسي، والحروب ليست مجرد معارك تنتهي، بل تترك آثارًا نفسية تحتاج إلى علاج طويل الأمد.
لذا، فإن تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال مسؤولية مشتركة يجب أن تتكاتف فيها الأسر والمجتمعات والمنظمات الإنسانية لضمان مستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال بعيدًا عن آلام الماضي.
إن إنهاء الحروب ليس خيارًا، بل ضرورة إنسانية للحفاظ على صحة الأطفال النفسية وبناء جيل أكثر قدرة على مواجهة المستقبل.