الإسلام يدعو للاعتدال ونبذ الإسراف.. رسالة لحياة متوازنة ومستدامة

يشكل الاعتدال قيمة أساسية في تعاليم الدين الإسلامي، حيث تنعكس هذه الفضيلة في شتى مناحي الحياة، لاسيما في عادات الأكل والشرب.
ونهى الشرع عن الإسراف بكل أشكاله، وأبرز تحذيراته جاءت في قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31] هذه الآية الكريمة لا تحمل فقط دعوة للإقلاع عن الإفراط، بل تؤكد أن الإسراف فعل يكرهه الله سبحانه وتعالى.
الإسراف تجاوز الحد وتبذير النعم
والإسراف، وفق المفهوم الشرعي، هو تجاوز حدود الحاجة والاستخدام الرشيد إلى التبذير وإهدار الموارد دون داعٍ.
الإسراف في كونه إنفاقًا زائدًا، سواء في المال أو الجهد أو الموارد، بما يتجاوز حدود الاعتدال الذي وضعه الدين الإسلامي كمنهج حياة متزن.
ويشدد العلماء على أن الإسراف يضر الفرد والمجتمع على حد سواء، فهو إهدار لنعمة الله وعدم شكر لها.
يذكر في الحديث أن الشخص قد يُنهى عن الإسراف حتى لو كان يتوفر لديه فائض كبير من الموارد، كما يُقال “ولو كنت على نهرٍ جارٍ”، في إشارة إلى ضرورة التزام التوازن وعدم تبديد النعم مهما كانت وفرتها.
لماذا نهى الإسلام عن الإسراف؟
يحمل النهي عن الإسراف في الإسلام أبعادًا روحية وأخلاقية واجتماعية وبيئية فمن الناحية الروحية، يُعتبر الإسراف علامة على عدم شكر الله تعالى على نعمه، حيث ينساق الإنسان خلف الشهوات دون مراعاة للضوابط الشرعية.
أما من الناحية الأخلاقية، فإن المعتدل في الإنفاق يحقق فضيلة التوازن، بينما يعكس المسرف صورة مناقضة للقيم التي دعا إليها الإسلام.
واجتماعيًا، يُعد الإسراف عاملًا يوسع الفجوة بين الطبقات، حيث يُظهر البذخ لدى بعض الأفراد في مقابل معاناة الفقراء والمحتاجين. كما يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية، ما ينعكس سلبًا على البيئة ويهدد استدامتها.
الإسراف في الطعام والشراب تحدٍ معاصر
كما يُعد الإسراف في الطعام والشراب من أكثر أشكال الإسراف شيوعًا اليوم، خصوصًا مع انتشار ثقافة الاستهلاك المفرط والمظاهر الاجتماعية التي تشجع على التبذير وتشير الدراسات إلى أن كميات كبيرة من الطعام تُهدر يوميًا في المناسبات والمنازل، في حين يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من الجوع وسوء التغذية.
وتقدم الآية الكريمة منهجًا مثاليًا للتعامل مع الطعام والشراب، قائمًا على قاعدة “الاستهلاك وفق الحاجة” فلا يُفترض أن تكون الوفرة مبررًا للإفراط، بل مسؤولية تجاه النعم التي منحها الله للبشر.
حلول عملية لمواجهة الإسراف
وللحد من ظاهرة الإسراف، يتعين على الأفراد والمجتمعات اتخاذ خطوات عملية منها:
1. التوعية الدينية: توجيه الناس نحو فهم قيمة النعم وأهمية الاعتدال من منظور إسلامي.
2. التخطيط الجيد للاستهلاك: تحديد الكميات التي يحتاجها الفرد أو الأسرة بدقة لتجنب الهدر.
3. إعادة توزيع الفائض: بدلاً من التخلص من الطعام الزائد، يمكن تقديمه للفقراء والمحتاجين.
4. تعزيز الوعي البيئي: ربط قضايا الإسراف بحماية الموارد الطبيعية وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
رسالة الإسلام في الاعتدال
وتجسد تعاليم الإسلام دعوة دائمة للوسطية في كل الأمور، بدءًا من العبادات وانتهاءً بالحياة اليومية. الاعتدال ليس فقط أسلوبًا للعيش، بل هو دليل على التزام الإنسان بمبادئ الدين وتحليه بالمسؤولية تجاه نفسه ومجتمعه وبيئته.