مع نهاية القرن التاسع عشر، كانت مصر تمر بمرحلة تاريخية حساسة للغاية، إذ كانت تعاني من أزمات داخلية ناجمة عن استبداد الخديوي توفيق، الذي كان يحكم البلاد تحت النفوذ البريطاني.
سيطر الاحتلال البريطاني على مصر بشكل متزايد، مما فرض تدخلات مباشرة في شؤونها السياسية والاقتصادية، وفرضت الهيمنة البريطانية على الأرض والموارد.
كما شهدت البلاد حالة من الاستياء العام بسبب ارتفاع الضرائب على الفلاحين، واحتكار الأراضي من قبل طبقات النبلاء والمستعمرين. كانت هذه الأوضاع هي العامل الرئيس وراء تفجر ثورة عرابي.
في هذه الأجواء الصعبة، أصبح الشعب المصري، وخاصة الفلاحين والجنود، يشعرون بظلمٍ كبير وحرمانٍ من حقوقهم الأساسية.
كانت الاستجابة لهذه الظروف القاسية هي بزوغ الحركة الوطنية بقيادة أحمد عرابي، الذي كان ضابطًا في الجيش المصري، وشارك في تنسيق هذه الثورة التي استهدفت الاستبداد الداخلي والتدخلات الأجنبية.
الأزهر ودوره المحوري في دعم ثورة عرابي
كان الأزهر، بتاريخه العريق وحضوره الفاعل في المجتمع المصري، أحد أبرز المؤيدين لثورة عرابي.
وكان دور الأزهر أكثر من مجرد تأييد سياسي؛ فقد كان الأزهر بمثابة منبر مهم للتعبير عن تطلعات الشعب المصري من خلال خطب العلماء ومواقفهم العامة.
في وقت كانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في أسوأ حالاتها، دافع الأزهر عن القيم الإنسانية والدينية، داعيًا إلى العدل والحرية، ورفض الاستبداد والاحتلال.
كان الأزهر يشارك في تأجيج الحراك الشعبي من خلال دعواته المستمرة ضد الاستعمار البريطاني، حيث كانت الخطب في المساجد، التي كان يلقيها كبار العلماء، تؤكد على أهمية الوقوف ضد التدخلات الأجنبية وضد أي شكل من أشكال الظلم.
كان الأزهر يدعو لضرورة وحدة الأمة المصرية في مواجهة القوى الاستعمارية، وهو ما أدى إلى تفاعل كبير من قبل المصريين بشكل عام، وخاصة من الفلاحين الذين عانوا بشكل كبير من ظلم النظام القائم.
مشاركة العلماء والطلاب في الحركة الوطنية
في ضوء الظروف السياسية والدينية التي كانت تعيشها مصر في تلك الفترة، لم يكن الأزهر فقط يقوم بتوجيه الدعم الفكري، بل كان له حضور فعلي في ثورة عرابي.
كان العلماء والأئمة من مختلف أنحاء مصر يشاركون في صياغة المطالب الشعبية التي طالبت بإصلاحات سياسية واجتماعية شاملة كان الأزهر يساهم في نشر الوعي وتعليم الناس حقوقهم وكيفية الدفاع عنها.
كما كان لطلاب الأزهر دور بارز في الثورة، حيث انضموا إلى صفوف المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بالإصلاحات.
كان هؤلاء الطلاب يعكسون الوعي المتزايد الذي كان يتم تربيته في أروقة الأزهر، وهو الوعي الذي يرفض الاستبداد ويطالب بالحرية السياسية والاجتماعية.
دور الأزهر في نشر مطالب الثورة
كما لعب الأزهر دورًا حيويًا في نشر مطالب الثورة عبر مختلف الوسائل، بما في ذلك الخطب والمواعظ الدينية.
كانت هذه الخطابات لا تقتصر على الحث على الثورات السياسية فقط، بل كانت تشمل أيضًا الدروس الدينية التي تربط بين الإسلام والعدالة الاجتماعية. دعا علماء الأزهر في هذه الفترة إلى ضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي في مصر كما طالبوا بإعادة توزيع الثروات، وإنهاء الهيمنة الأجنبية على مصر.
كان الأزهر يعتبر أن هذه المطالب لا تتناقض مع تعاليم الدين الإسلامي، بل هي في صميم القيم التي يدعو إليها الإسلام، مثل العدالة والمساواة بين الناس ومن ثم كان الدعم الأزهر لهذه الثورة جزءًا من رفضه لما كان يراه تحكمًا ظالمًا، سواء من الخديوي توفيق أو من المحتل البريطاني.
رفض الاستعمار في خطب الأزهر
فيما يتعلق بالموقف من الاستعمار البريطاني، كان الأزهر يعتبر أن الاحتلال هو أحد ألوان الظلم التي يجب مقاومتها.
كانت خطب علماء الأزهر تركز على أن مقاومة الاحتلال واجب ديني ووطني، وأن المصريين يجب أن يتكاتفوا ضد هذه القوى الأجنبية التي تفرض نفسها على بلادهم وتنهب خيراتها. في الوقت نفسه، كان العلماء يشددون على ضرورة الوحدة الوطنية، مؤكدين على أن المصريين بمختلف طوائفهم وأديانهم يجب أن يتعاونوا من أجل طرد المحتل.
الأزهر رمز للعدالة الوطنية
من خلال دعمه لثورة عرابي، أكد الأزهر على دوره التاريخي في تعزيز الهوية الوطنية والمشاركة في الحركات السياسية التي تهدف إلى تحقيق العدالة والحرية.
لم يكن الأزهر مجرد مؤسسة دينية، بل كان قوة وطنية حقيقية لعبت دورًا محوريًا في مقاومة الاحتلال البريطاني وفي صياغة الحركة الوطنية ضد الاستبداد.
وبذلك، أصبح الأزهر رمزًا للمقاومة الوطنية، سواء عبر الخطب والمواعظ أو عبر مشاركة طلابه وعلمائه في حركات المقاومة السياسية والاجتماعية.
