ذاكرة اليوم .. الأزهر الشريف منارة المقاومة في مواجهة الاحتلال البريطاني

كان الأزهر الشريف على مر العصور حصنًا للعلم والدين، ومنبرًا للشعوب في مواجهة الظلم والطغيان ومع دخول الاحتلال البريطاني إلى مصر عام 1882، برز الأزهر كقوة مقاومة وطنية، لعبت دورًا محوريًا في قيادة الحراك الشعبي ودعم الحركات الوطنية، مستعينًا بمكانته الدينية والاجتماعية لتأجيج الوعي الوطني ومناهضة المستعمر.
الأزهر في مواجهة الاحتلال: بين الدين والسياسة
الأزهر ليس مجرد مؤسسة دينية، بل هو صانع للهوية الوطنية، وأداة فعّالة للحفاظ على ثقافة الأمة واستقلالها منذ اللحظة الأولى لدخول البريطانيين إلى مصر، أدرك علماء الأزهر خطورة الاحتلال على الدين والقيم الوطنية.
دور المساجد كمحاور للثورة: كانت خطب الجمعة تُخصص للتحذير من مخاطر الاحتلال، وربط مقاومته بالجهاد في سبيل الله.
تعزيز الهوية الثقافية: سعى الأزهر للحفاظ على اللغة العربية كرمز للهوية الإسلامية والوطنية، في مواجهة محاولات الاحتلال فرض اللغة الإنجليزية.
رفض التطبيع مع المستعمر: أصدر العلماء فتاوى تحرم التعاون مع قوات الاحتلال أو تقديم أي مساعدة لهم، مما أسهم في تقليص نفوذهم داخل المجتمع.
مقاومة الاحتلال على المستويين الشعبي والسياسي
كان الأزهر القوة المحركة وراء معظم التظاهرات الشعبية. حيث لعب دوره في دعم الثورات والمقاومة على النحو التالي:
1. الثورة العرابية:
دعم علماء الأزهر الثورة بقيادة أحمد عرابي، الذي رفع شعارات العدل والمساواة.
وفرت أروقة الأزهر ملاذًا لاجتماعات الوطنيين، مما جعلها مركزًا للتخطيط ضد الاحتلال البريطاني والخديوي المتعاون معه.
2. ثورة 1919:
في أعقاب نفي الزعيم سعد زغلول ورفاقه، أشعل الأزهر شرارة الاحتجاجات الشعبية.
احتشد الآلاف في ساحات الأزهر، حيث كان العلماء يدعون إلى العصيان المدني، ويرفضون سياسات الاحتلال القمعية.
اشتهرت هذه الثورة بوحدة الشعب المصري، والتي كان للأزهر دور كبير في تعزيزها، إذ ربط الدين بالوطنية ووقف بجانب الجميع، مسلمين ومسيحيين.
3. مظاهرات طلاب الأزهر:
انخرط طلاب الأزهر بشكل لافت في تنظيم المظاهرات وقيادتها، وكانوا دائمًا في طليعة الصفوف، يهتفون ضد الاحتلال ويطالبون بالاستقلال.
شارك طلاب الأزهر في أحداث دامية مع قوات الاحتلال، مثلما حدث في “الأربعاء الأسود”، حيث قوبلت مظاهراتهم بقمع وحشي، لكنها أكدت على ثبات الأزهر في مواقفه.
الفتاوى الوطنية: قوة دينية تدعم المقاومة
كانت الفتاوى التي أطلقها علماء الأزهر أحد أبرز أدوات المقاومة ضد الاحتلال.
تحريم التعاون مع المستعمر: أصدر الأزهر فتاوى واضحة تحرم أي تعاون مع سلطات الاحتلال، سواء بالعمل في إداراتهم أو دعم سياساتهم.
الدعوة للجهاد: ربط علماء الأزهر مقاومة الاحتلال بالجهاد في سبيل الله، معتبرين أن تحرير الأرض جزء من الإيمان.
مقاطعة المنتجات البريطانية: كانت فتاوى الأزهر تدعو الشعب إلى الاعتماد على المنتجات المحلية كوسيلة لمناهضة المستعمر اقتصاديًا.
مواقف شخصيات أزهرية بارزة في مقاومة الاحتلال
الشيخ محمد عبده:
رغم نفيه خارج مصر بسبب مواقفه السياسية، كان الشيخ محمد عبده من أبرز العلماء الذين استخدموا فكرهم الإصلاحي لمناهضة الاحتلال دعا إلى إصلاح الأزهر وتعزيز دوره في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية.
الشيخ علي يوسف:
كان الشيخ علي يوسف، رئيس تحرير صحيفة “المؤيد”، من الأزهريين الذين جمعوا بين الفكر الديني والنشاط السياسي. استخدم منبره الصحفي لفضح سياسات الاحتلال ونشر روح المقاومة بين الناس.
الشيخ أحمد الحسيني:
لعب الشيخ الحسيني دورًا محوريًا في قيادة تظاهرات الأزهر، وبرز كرمز للشجاعة في مواجهة الاحتلال، ما عرضه للاعتقال والتنكيل.
الشيخ سليم البشري:
كان الشيخ البشري، شيخ الأزهر آنذاك، من أشد المعارضين للاحتلال، وسعى لتوحيد الصفوف الوطنية، ورفض بشدة أي محاولات للاختراق الثقافي والديني من قبل المستعمر.
تضحيات الأزهر وعلمائه في سبيل الوطن
لم تكن مواقف الأزهر مجرد كلمات، بل دفع العلماء والطلاب ثمنًا باهظًا لمواقفهم الجريئة:
الاعتقالات والتنكيل: تعرض العديد من علماء الأزهر للسجن والنفي بسبب مواقفهم المعادية للاحتلال.
استهداف الأزهر كمؤسسة: حاول الاحتلال البريطاني إضعاف الأزهر عن طريق فرض قيود على أنشطته التعليمية والدينية، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
ساحات القتال: شارك بعض طلاب الأزهر في الكفاح المسلح، حيث انضموا إلى حركات المقاومة السرية التي واجهت قوات الاحتلال.
الأزهر وحماية الهوية الوطنية
في مواجهة سياسات التبعية الثقافية التي فرضها الاحتلال، كان الأزهر القوة التي حافظت على الهوية الإسلامية، من خلال تدريس علوم الدين واللغة العربية، وتعزيز القيم الوطنية لدى الطلاب.
توحيد الصف الوطني:
سعى الأزهر إلى تجاوز الخلافات الطائفية، ودعا إلى وحدة صفوف الشعب المصري. كان دائمًا منبرًا يرفض التفرقة ويدعو للتضامن بين المسلمين والمسيحيين في مواجهة الاحتلال.
دعم التعليم الوطني:
عمل الأزهر على نشر التعليم في الأرياف والمناطق الفقيرة، لتكوين جيل واعٍ قادر على التصدي للاستعمار فكريًا وثقافيًا.
الأزهر صانع التاريخ الوطني
لم يكن الأزهر الشريف مجرد مؤسسة دينية خلال فترة الاحتلال البريطاني، بل كان قلب الأمة النابض الذي حفظ هويتها ووحدتها من خلال دوره في المقاومة الشعبية، وإطلاق الفتاوى الوطنية، وتقديم العلماء والشباب للتضحيات، أثبت الأزهر أنه رمز للنضال والكرامة.
تظل هذه الحقبة من تاريخ الأزهر نموذجًا ملهمًا للأجيال القادمة، تعكس كيف يمكن للمؤسسات الدينية أن تكون منارات للتغيير الإيجابي في أحلك الأوقات.