الهوَّاري: الهجرة النبويَّة درس في الرحمة والمسؤولية وبناء الذات

كتب: مصطفى على
في إطار حملة مجمع البحوث الإسلامية التي أطلقها بعنوان “الهجرة النبوية.. ميلاد أمة ورسالة تتجدد”، ألقى الدكتور محمود الهوَّاري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، محاضرةً توعوية لطلاب كلية التمريض بجامعة بني سويف، صباح اليوم، تناول فيها الأبعاد الأخلاقية والإنسانية للهجرة النبوية الشريفة، وربطها بواقع الشباب وأولوياتهم، موجهًا رسائل قوية حول قيم الرحمة، والإيجابية، والعمل، وبناء الذات والمجتمع.
يأتي هذا اللقاء في إطار التعاون المستمر بين مجمع البحوث الإسلامية والجامعات المصرية، لتفعيل دور الخطاب الديني المعتدل في ترسيخ القيم، وبناء الوعي الطلابي، وتعزيز الانتماء الوطني في نفوس الشباب، عبر محاضرات تُدمج فيها الأبعاد الدينية بالتطبيقات العملية والواقعية.
الهجرة النبوية.. لحظة فاصلة تقود نحو القيم الفاعلة
أكد الدكتور الهوَّاري أن الهجرة النبوية لم تكن مجرد حدث تاريخي، بل كانت لحظة إنسانية فارقة شكَّلت وعي الأمة، وأسَّست لقيمٍ خالدة ما زالت تصلح لترميم الفرد والمجتمع وعلى رأس هذه القيم تأتي قيمة الرحمة، التي تجلَّت بعمق في سلوك النبي ﷺ تجاه أهل مكة، الذين آذوه وأخرجوه، ورغم ذلك، غادرها وهو يردّ الأمانات لأصحابها، دون أن يرد الإساءة بالإساءة.
وأوضح أن هذه الرحمة تمثّل وعيًا أخلاقيًا راقيًا، ونُبلًا يرتقي فوق الخصومات والمشاعر السلبية، داعيًا الطلاب إلى تمثّل هذا الخلق في سلوكهم اليومي، سواء في البيت، أو الحرم الجامعي، أو في محيط العمل لاحقًا.
من وعد سراقة إلى سوار كسرى.. دروس في الأمل والثقة بوعد الله
وفي استدعاءٍ لمشهدٍ من الهجرة، توقف الهوَّاري عند موقف النبي ﷺ مع سراقة بن مالك، الذي خرج يطارده طمعًا في المكافأة، فانتهى إلى أن وعده النبي بسوارَي كسرى. هذا الموقف، كما وصفه الدكتور الهواري، يُبرز قيمة الأمل والثقة بموعود الله، حتى في أشد اللحظات خطرًا.
وأشار إلى أن هذا الدرس يدفع الشباب للإيمان بقدراتهم الذاتية، وعدم الاستسلام لليأس أو التراجع أمام الصعوبات، بل تحويل التحديات إلى فرص للنجاح والبناء، مشددًا على أن من يستحضر وعد الله لا ينهار في وجه الأزمات.
التخطيط والتوكّل.. معادلة النجاح النبوي
واستعرض الهوَّاري جانبًا مهمًا من الهجرة يتعلق بـالجمع بين التخطيط المحكم والتوكل على الله، مؤكدًا أن النبي ﷺ لم يكن يتحرك ارتجالًا، بل خطط للهجرة بدقة: اختار الرفيق، وحدد الطريق، ورتب المهام، ورسم المسار؛ ومع ذلك ظل على يقين راسخ أن النصر من عند الله.
وأشار إلى أن هذه المعادلة توصل رسالة بالغة الأهمية للشباب: الإيمان لا يغني عن العمل، والنجاح لا يتحقق بالنيات وحدها، بل هو ثمرة الجهد الواعي والثقة الصادقة بالله.
الإيجابية والمسؤولية.. ركائز مشروع التغيير
في محور آخر من محاضرته، تناول الدكتور الهواري الإيجابية والسعي كركيزتين أساسيتين في المشروع النبوي.
وأوضح أن خروج النبي ﷺ من مكة لم يكن هروبًا شخصيًا، بل كان جزءًا من مشروع تغيير شامل، يقوم على الإيجابية، وتحمل المسؤولية، والمبادرة الفاعلة.
وأضاف أن الإيجابية لا تعني فقط التفاؤل، بل تتضمن الجدية، والاجتهاد، والتفاعل مع قضايا المجتمع، والسعي في خدمته، وهو ما يجب أن يكون حاضرًا في وجدان كل طالب جامعي يطمح لبناء مستقبل نافع لنفسه ولوطنه.
شباب الهجرة.. أبطال الظل وثقة النبوة
أشار الهوَّاري إلى الدور المحوري الذي قام به الشباب في الهجرة النبوية، مؤكدًا أن كثيرًا من المهام الخطيرة في تلك المرحلة كانت من نصيب شباب في مقتبل العمر، مثل إعداد مكان المبيت، وجمع المعلومات، وإخفاء الأثر، ومتابعة الأحوال.
وقال: إن النبي ﷺ أظهر ثقة كبيرة في طاقات الشباب، وهو ما يجب أن يكون مصدر إلهام لطلاب اليوم، داعيًا إياهم للقيام بدورهم في المجتمع بوعي وجدية، فهم العمود الفقري لأي نهضة حقيقية.
أزمة الرحمة.. ضرورة العودة إلى القيم النبوية
في ختام محاضرته، وجَّه الدكتور الهوَّاري تحذيرًا صريحًا من غياب الرحمة في الواقع اليومي، مبينًا أنها أصبحت غائبة عن كثير من مناحي الحياة: في البيوت، وأماكن العمل، والأسواق، وحتى بين الأصدقاء والشركاء.
وأوضح أن هذا الفراغ القيمي يُضعف أواصر المجتمع ويهدد وحدته، مشيرًا إلى أن استعادة قيمة الرحمة هي شرط أساسي لبناء مجتمع متراحم، مستقر، ومتماسك.
وختم بكلمات مؤثرة: “مَن أراد أن تكون له هجرة في هذا الزمان؛ فليهاجر من القسوة إلى الرحمة، ومن السلبية إلى العمل، ومن التخلي إلى التحمل”، داعيًا الطلاب إلى أن يحملوا هذا الوعي، ويجعلوه منارةً تضيء مساراتهم العلمية والعملية.
حملة دعوية تتجدد.. من الهجرة إلى صناعة المستقبل
تأتي هذه المحاضرة ضمن سلسلة من الفعاليات التي ينظمها مجمع البحوث الإسلامية بالتعاون مع الجامعات، بهدف إحياء السيرة النبوية في عقول الشباب وقلوبهم، عبر مواقف وقيم تصلح لأن تكون دليلًا للحياة المعاصرة، ومفتاحًا لبناء الذات والمجتمع.
ويواصل المجمع حملته “الهجرة النبوية ميلاد أمة ورسالة تتجدد” في الجامعات المصرية، تأكيدًا على دور المؤسسات الدينية في بناء الوعي المجتمعي، وترسيخ القيم الإنسانية، وصناعة أجيال قادرة على مواجهة التحديات بالوعي، والإيمان، والعمل.