مقالات

أحمد فؤاد يكتب: قرآن السهرة ومبادرة المجلس الأعلى

في انشغالات الحياة اليومية وازدحام أوقاتنا بالتكنولوجيا والضغوط الاجتماعية، أطلق المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مبادرة فريدة تحت عنوان “قرآن السهرة”.

التي تهدف إلى إعادة القرآن الكريم إلى بؤرة اهتمام المجتمع، من خلال تسجيلات نادرة لكبار القراء والمشايخ تذاع يوميا الساعة الثامنة مساء على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وجعل تلاوته جزءاً من حياتنا اليومية، تحديداً في السهرات التي لطالما كانت مساحة للحديث والضحك بعيدا عن الروحانية.

هذه المبادرة لا تقتصر على تلاوة القرآن وحسب، بل هي دعوة للعيش مع معانيه في لحظات السكون، مما يتيح للمجتمع فرصة إعادة الاتصال مع القيم الروحية التي قد يغفل عنها الكثيرون في عالمنا المعاصر.

حينما نتأمل في مفهوم السهرات، نجد أنها غالباً ما تكون فرصة للتجمع العائلي أو الاجتماعي، لكنها في الوقت نفسه قد تفرغ من محتواها الروحي وتصبح مجرد وقت ضائع في التسلية.

لكن، مع مبادرة “قرآن السهرة”، أصبحت هذه اللحظات فرصة غنية للتدبر والتأمل في تلاوة آيات القرآن الكريم، مما يعزز الروح الجماعية ويساهم في نشر القيم الإيمانية بين أفراد المجتمع.

المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، من خلال هذه المبادرة، يقدم نموذجاً ملموساً لكيفية تحويل أوقات الفراغ إلى لحظات مثمرة ومؤثرة. فبدلاً من أن تستهلك السهرات في أحاديث لا طائل من ورائها، يمكن أن تصبح هذه السهرات مع القرآن وسيلة لتقوية الصلة بالله، وتعميق الفهم الديني، وتعزيز روابط المحبة بين الأفراد.

المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ليس مجرد جهة مسؤولة عن الدين في مصر، بل هو مؤسسة تعمل على تعزيز قيم الإيمان في المجتمع المصري، ويسعى بشكل دائم إلى تطوير الأفكار والمبادرات التي تجلب الخير للفرد والمجتمع.

وقد نجح المجلس من خلال “قرآن السهرة” في استخدام أداة بسيطة لكنها فعالة، ليحولها إلى منصة تعليمية وتوعوية في ذات الوقت.

المبادرة تشجع على قراءة القرآن بشكل جماعي، سواء داخل الأسرة أو بين الأصدقاء، مما يخلق جواً من التفاعل والتآلف، ويدعم فكرة أن القرآن ليس مجرد كتاب مقدس يُقرأ في المساجد فقط، بل هو رفيق في الحياة اليومية.

هذه السهرات، التي يمكن أن تشمل تلاوة جماعية أو مناقشات في معاني الآيات، تعتبر فرصة لتجديد التواصل مع الكتاب الكريم بشكل لا يتقيد بالمكان أو الزمان.

لكن “قرآن السهرة” ليس مجرد قراءة للآيات، بل هو تجربة روحية عميقة تسعى إلى خلق حالة من التفاعل العقلي والقلبي مع القرآن.

فمن خلال تبادل الأفكار حول تفسير الآيات، ومناقشة معانيها، يتعلم المجتمع كيف يستلهم من القرآن الكريم الحلول لقضايا الحياة اليومية.

كما أن هذه السهرات تمنح الأفراد فرصة للتأمل، وتخلق لديهم شعوراً بالسلام الداخلي في وقت يعج بالتحديات.

ولعل من أبرز ما تميزت به مبادرة “قرآن السهرة” هو التأكيد على أهمية قراءة القرآن بتمعن وتدبر، وليس مجرد تلاوة سطحية. هذا يساهم في فهم أعمق للرسالة القرآنية، ويساعد في ترسيخ القيم الإنسانية السامية التي يدعو إليها القرآن.

في عالمنا المعاصر الذي أصبح يزداد فيه التشتت الروحي والفكري، تأتي مبادرة “قرآن السهرة” بمثابة الضوء الذي يهتدي به الناس نحو الصواب.

إن المجتمعات بحاجة إلى مثل هذه المبادرات التي لا تقتصر على تعلم الأفراد للتلاوة، بل تسعى إلى تعليمهم كيف يتعايشون مع تعاليم القرآن في حياتهم اليومية.

ما يميز “قرآن السهرة” هو أنها مبادرة تضع في اعتبارها الجوانب الاجتماعية والنفسية، وليس فقط الدينية. فهي تسعى إلى تحقيق توازن بين الروح والجسد، وبين الفهم الديني والتطبيق العملي.

وعندما تتحول السهرات إلى لحظات مباركة من التلاوة والتأمل في معاني القرآن، يصبح المجتمع أكثر تلاحماً وأكثر قدرة على مواجهة التحديات بروح قوية وثابتة.

وفي الختام

“قرآن السهرة” ليست مجرد فكرة جديدة، بل هي عودة إلى أصلٍ مهم في حياة المسلمين. إنها دعوة لجعل القرآن جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا، حتى في لحظات السكون والراحة.

والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، من خلال هذه المبادرة، يُعيدنا إلى جوهر الإيمان، ويُرسي قواعد حقيقية للتعايش السلمي والمجتمعي. إن القرآن الكريم، حينما يصبح جزءاً من سهراتنا، لا يضيء الليل فقط، بل يضيء حياتنا كلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights