عاطف الجلالي يكتب: رمزية ودلالة رحيل السنوار

رأيتني مبهوراً متأملاً العبر والعظات لذلكم الحدث الذي خلفته المعركة التي استشهد على أثرها القائد الشهيد يحيى السنوار ، الرجل الذي قضى ثلث عمره في سجون الإحتلال وخلف أسوار معتقلاته إلى أن خرج في صفقة الأسير شاليط وكان عمره آنذاك قد جاوز الخمسين ، وأزعم أنه لو اختار أن يكون في الصفوف الخلفية ويترك الميدان للأجيال الصاعدة لشفع له ماضيه ، لكنه خرج مهموماً بقضية وطنه ربما أكثر من ذي قبل وغايته الجهاد ضد الكيان حتى التحرير ، ومضي نحو خطته على قدم وساق وفي سرية بالغة حتى كان قرار الطوفان الهادر الذي أفقد الكيان توازنه حتى الآن ، وتتوالى الأحداث والخطوب كتعاقب الليل والنهار ، إلى أن أصبح رئيساً للحركة خلفاً للشهيد إسماعيل هنية .
وحسب الأعراف السياسية بمنطق العصر إن هو إلا زعيم سياسي مفتوح على المفاوضات من خلال وفود الوساطة مكانه أروقة المشاورات والإتصالات أياً كانت تحت الارض أو فوقها ، وكقائد عسكري – كونه صاحب قرار الطوفان – مكانه أيضاً غرف العمليات يخطط ويرسل الأوامر تلو الأوامر، إلا أنه خالف كل هذة التقاليد والأعراف بل وتوقعات استخبارات الكيان والعالم أجمع ، لنراه مقاتلاً على الأرض تليداً ملثماً متوشحاً سلاحه يقود ثلة من المجاهدين يقاتل معهم كتفاً بكتف – وهو الذي جاوز الستين من عمره – وبعد معارك ضارية غير متكافئة من حيث العدة والعتاد استشهد كل من حوله وأصيب هو بجراح عظيمة في عموم جسده وذراعه الأيمن ينزف الدم ، إذ به يجلس على أريكته مضرجاً في دمائه يستجمع قواه المنهكة ، إذ بطائرة مسيرة استخبارية أرسلها أحد الجبناء الذين لا يقاتلون إلا من وراء جُدر ، فلم يجد بد إلا أن ابتدرعصاه بيده اليسرى بعد أن أصيبت يمناه – متشبهاً جعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة – ودفعها نحو المسيرة بأمل إسقاطها في رمزية ودلالة عظيمة ، ويكأنه يقول لمن عميت قلوبهم وأبصارهم أن هذه العصا التي لا تجدي نفعاً ولا دفعاً هي آخر أسلحتي وآخر طلقاتي ولكنها أقوى وأغلى من المدافع والطائرات القابعة في ثكناتها على الأرض وقد ران عليها الصدأ ، أحسبه أبى أن يرحل إلا مشتبكا شامخاً مقبلاً غير مدبر حتى وهو في الرمق الاخير بعد أن أثخنته الجراح وترجل كل من حوله شهداء وانقطعت به السبل .
هكذا صورته عدسات الكيان وهي لم تعلم أنه القائد الفارس يحيى السنوار لتكون شاهدة على تخليد شجاعته وجسارته بتقنيتها هي لا بعدسات إعلام القسام ، وتفضح بنفسها أكاذيبها فيما أشاعوه أنه مختبئ في أقبية الأنفاق محاطاً بسياج من الأسرى كدروع بشرية تحول دون قصفه .
ذهب السنوار لمثواه شهيداً كما تمنى صحبة النبيين والصديقين والشهداء ، بعدما عاش واستشهد مقاتلاً مرفوعة هامته مخضبة بدمائه الذكية يفوح منها ريح المسك ، وبقيت الرسائل : إن دم الأطفال والنساء والشيوخ العزل أصحاب الأرض والحق في رقابنا نحن المتخاذلون ، وصدق في رجال الطوفان أنهم الفئة الظاهرة على الحق القاهرة لعدوها كما قالﷺ .
والحقيقة الدامغة أن سر صمود هؤلاء المجاهدين يكمن في يقين إيمانها ، بأن الرسول ﷺ قدوتهم الأسمى يتمثلونه في كل مشاهد الشجاعة والإقدام يوم بدر ويوم أحد و يوم حنين حينما انكشف المسلمون وولى من ولى وأدبر وفر من فر ثبت هو ﷺ في تسعة رجال فقط في عزة وثبات رابط الجأش وقال قولته الشهيرة : ” أنا النبي لاكذب أنا ابن عبدالمطلب ” وانتصر المسلمون بفضل شجاعته المطلقه وثباته على الحق .
هذة الصفوة عرفت الإسلام برسول الله ﷺ قولاً وعملاً فطوبى لهم وطوبى لأميرهم أبي إبراهيم حسن العاقبة .
عاطف الجلالي المحامي