الرئيسيةعرب-وعالم

الهاتف المفقود وفضيحة “سديه تيمان”.. لغز المدعية العسكرية الإسرائيلية

تقرير: سمر صفي الدين

تكشف قضية المدعية العسكرية العامة الإسرائيلية المستقيلة، اللواء يفعات تومر-يروشالمي، عن واحدة من أخطر الأزمات المؤسسية التي تواجه الجيش الإسرائيلي منذ سنوات طويلة.

فقد قررت محكمة الصلح في تل أبيب تمديد احتجازها لثلاثة أيام، بعد توجيه اتهامات تشمل إساءة استخدام المنصب، والاحتيال، وتسريب مواد أمنية سرية، وعرقلة سير العدالة.

وتشير محاضر الجلسة إلى أن القاضية شايلي كوتين تحدثت عن “شبهات خطيرة بالمس بالأمن العام”، مؤكدة أن القضية تتجاوز مخالفة إدارية إلى “جريمة تهدد الثقة العامة”.

كما تم اعتقال المدعي العسكري السابق متان سولومش، الذي يشتبه بتورطه في التستر على التسريب، في وقت وصفت فيه الصحافة العبرية القضية بأنها “زلزال في القضاء العسكري”.

اختفاء مثير ورسالة غامضة

في هذا الصدد، أثار اختفاء تومر-يروشالمي المفاجئ لساعات طويلة الأحد الماضي ذعرًا واسعًا في إسرائيل، بعد العثور على سيارتها قرب شاطئ تل أبيب ومحركها لا يزال يعمل.

ووجدت الشرطة داخل منزلها رسالة قصيرة تقول: “لا تنظروا إلى الوراء”، ما زاد المخاوف من احتمال إقدامها على الانتحار، قبل أن يُعثر عليها لاحقًا وهي في حالة نفسية صعبة.

وقالت مصادر أمنية إن هاتفها المحمول لم يُعثر عليه حتى الآن، ويُعتقد أنه يحتوي على أدلة رئيسية حول الجهة التي سربت مقطع الفيديو من داخل النيابة العسكرية.

وأكدت الشرطة أن اختفاء الهاتف مثل عائقًا أمام المحققين، وسط تقديرات بأن تومر-يروشالمي ربما تخلصت منه عمدًا. الأمر الذي فاقم الشبهات حول نيتها عرقلة التحقيق.

ضغوط سياسية وحملة تحريض

جاءت استقالة المدعية العسكرية قبل يومين من اختفائها، بعد ضغوط متزايدة من أوساط اليمين المتطرف التي اتهمتها بـ”خيانة الجنود” و”تشويه صورة الجيش الإسرائيلي”.

وقال محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليئور بن دافيد. إن “القضية تمثل صراعًا بين القانون والسياسة، حيث أصبح الدفاع عن حقوق الفلسطينيين تهمة خطيرة في إسرائيل”.

وأشار بن دافيد إلى أن تسريب الفيديو قد يكون محاولة من تومر-يروشالمي لتبرئة مكتبها من تهم التسييس. لكن النتيجة جاءت عكسية وأدخلت المؤسسة العسكرية في أزمة ثقة عميقة.

وأضاف أن “الهجوم المنسق من السياسيين والإعلام اليميني كشف حجم الاستقطاب داخل إسرائيل بعد حرب غزة. حيث لم يعد القانون العسكري بمعزل عن التوظيف الحزبي”.

أزمة الثقة في القضاء العسكري

من جانبها، وصفت صحيفة هآرتس القضية بأنها “عرض صريح لأزمة الثقة داخل النيابة العسكرية”. مشيرة إلى أن تسريب الفيديو أعقبته محاولات منظمة لتضليل المحكمة العليا.

وأوضحت الصحيفة أن المدعية العامة قدمت إفادات غير دقيقة عن هوية المسربين. في وقت أظهرت فيه التحقيقات الأولية تورط موظفين كبار في تمرير الفيديو عبر تطبيق “واتساب” مغلق.

وقال الخبير القانوني الإسرائيلي د. نوعام ليفي إن “ما يحدث في النيابة العسكرية ليس مجرد مخالفة. بل انهيار في معايير الشفافية والمساءلة التي يفترض أن تحكم المؤسسة الأمنية”.

وأضاف ليفي أن “الثقة بين الجيش والجهاز القضائي باتت على المحك. خاصة أن الجمهور لم يعد يصدق أن تحقيقات الانتهاكات ضد الفلسطينيين تُدار بنزاهة”.

مصير الجنود والمعتقل الفلسطيني

حتى اللحظة، لم تنشر أي تفاصيل رسمية حول مصير الجنود الذين ظهروا في الفيديو وهم يعتدون على المعتقل الفلسطيني، ولم تتضح نتائج التحقيقات الميدانية بشأنهم.

ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مصدر أمني قوله إن المعتقل أعيد إلى قطاع غزة، دون تحديد ما إذا كان حيًا أم ميتًا. ما أثار موجة انتقادات في الأوساط الحقوقية.

وترى منظمات إسرائيلية أن القضية الحالية ليست استثناء. بل جزء من سلسلة تحقيقات معلقة تتعلق بانتهاكات جنود في غزة والضفة الغربية لم تُحسم حتى الآن.

وتؤكد منظمة “يش دين” الحقوقية أن النيابة العسكرية تتعمد المماطلة في القضايا التي تمس صورة الجيش. وتغلق معظم الملفات “لأسباب إجرائية” دون مساءلة حقيقية.

الهاتف المفقود ومفاتيح الحقيقة

وفي سياق متصل، تواصل الشرطة الإسرائيلية عمليات البحث عن الهاتف المحمول لتومر-يروشالمي. إذ يعتقد أنه يحتوي على محادثات ورسائل تكشف هوية الضباط المتورطين في التسريب.

ووفق صحيفة إسرائيل هيوم، تعمل وحدات خاصة على تمشيط شاطئ الجرف شمال تل أبيب بحثًا عن الجهاز المفقود. وسط فرضية أنه قد ألقي في البحر عمدًا.

ويقول الصحفي تسفيكا كوهين إن “الهاتف المفقود أصبح رمزًا لصراع أكبر بين الحقيقة والتعتيم. فكل خيط يستعاد من ذاكرته قد يهدم منظومة كاملة من الكذب المؤسسي”.

ويضيف كوهين أن مصير التحقيق بات مرهونًا بهذا الجهاز. لأن استرجاع بياناته سيحدد إن كانت المدعية مجرد مبلغة مضغوطة أم شريكة في عملية تضليل متعمدة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights