
في استجابة لدعوات الإضراب يوم الإثنين والتظاهر دعما لغزة وتضامنا معها، لبت النداء عدة دول عربية وغربية، وكانت الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل في طليعة الصفوف التي لبت النداء.
لكن تمادى تحالف (نتنياهو- ترامب) في الإعلان عن حتمية تنفيذ مخططاتهم في غزة، غير مكترثين بذلك الحراك أو غيره، ولا بالقانون الدولي والمحاكم الدولية، طرح السؤال حول أهمية ذلك الحراك، ومدى تأثيره على سير الأحداث.
وقد أجاب الدكتور “أنيس قاسم”- المحامي الدولي والخبير الفلسطيني بالقانون الدولي- في تصريحات خاصة “لليوم” عن ذلك التساؤل، فقال عن أهمية الحراك: “يجب النظر إلى الموضوع من ناحية تاريخية، فالحركة الصهيونية عبر التاريخ بنت سدود من التحصين حول نفسها وسرديتها، وساعدها في ذلك كل أساطين الاستعمار الغربي من بريطانيا وأمريكا وألمانيا وفرنسا، حيث خدموا جميعهم القضية الصهيونية ومازالوا يخدمونها…
ثم استطاعت غزة أن تفتح كوة في ذلك الجدار الصلب، وبدأت تتسلل إلى الرأي العام العالمي، هذا التسلل يتسع الآن وسيزيد اتساعا بالتدريج، ونحن نرى الفرق منذ 7 أكتوبر 2023 حتى الآن، إذ أن تحطيم ذلك الجدار الصلب الذي بنته الصهيونية في مائة عام يتطلب وقتا.
وفي اعتقادي نحن الآن نكسب أرضية جديد آخذة في التمدد، حيث تبدلت نظرة الكثير من التقارير الدولية ومنظماتها وأصحاب الرأي العام إلى إسرائيل، فأضحوا ينظرون إليها باعتبارها دولة مارقة”.
رصد حجم الحراك الحقيقي ومستوى الاستجابة العالمية بدقة غير ممكن، ولكننا نرصد في السطور التالية بعضا منه:
فلسطين
الاستجابة الأكبر لدعوات الإضراب والتظاهر استحوذت عليها الضفة الغربية، فعم الإضراب الشامل نابلس وبلداتها مثل بلدة بيتا وبلدة بيت فوريك، والخليل وبلداتها مثل مدينة يطا وبيت أمر، وسلفيت وبلداتها، وقلقيلية وبلدة عزون فيها، وبيت لحم، وحتى جنين وطولكرم ودير الغصون شاركت في الإضراب على الرغم من العمليات العسكرية للاحتلال فيهما.
وذلك في إطار التنديد بالإبادة الجماعية والفظائع التي يرتكبها الاحتلال في غزة. وبعث أهالي الخليل برسالة تضامن لإخوتهم في غزة تعليقا على الإضراب، قالوا فيها: إن الإضراب “أقل شيء ممكن نقدمه”.
وفي القدس، عم الإضراب بلدات العيزرية وأبو ديس والسواحرة، ووصل الإضراب عقبة جبر في أريحا بالداخل المحتل، حيث بدت تلك المدن والبلدان خالية مثل مدن الأشباح.
كذلك خرجت المظاهرات في رام الله والخليل ونابلس وعدة بلدات ومدن أخرى تزامنا مع الإضراب، بدءا من طلبة المدارس والجامعات وحتى الأهالي، منددين بجرائم الاحتلال في غزة ومطالبين بإنهاء الحرب، كما أدى أهالي نابلس صلاة الغائب على أرواح ضحايا الحرب من شهداء غزة، عقب المسيرة التي جابت شوارع المدينة.
وعلق “حسن خريشة”- نائب رئيس المجلس التشريعي- في مقطع متداول على وسائل التواصل الاجتماعي عن الإضراب العالمي، فقال: “الإضراب جزء من المقاومة، ويأتي رفضاً للإبادة في غزة وبمواجهة الحرب الاقتلاعية التي يتعرض لها شعبنا في غزة وشمال الضفة”..
كما نظم مجموعة من الصحفيين جنوب غزة وقفة أمام مجمع ناصر الطبي، نددوا بجريمة الاحتلال أمس بقصف خيمة الصحفيين بالمجمع، ومجاهرته بتعمد ارتكاب الجريمة التي كان الهدف منها الصحفي “حسن أصليح“.
كما أعلنت الحركات الطلابية بالجامعة العبرية في القدس استمرار الحراك الرافض لحرب الإبادة، الداعم لغزة وأهلها ضد الإبادةالإسرائيلية بحقهم، حيث دعت لاعتصام طلابي حاشد اليوم في “النافورة- جبل المشارف” الساعة 12 ظهراً.
الدول العربية
استجابة لدعوى التظاهر والإضراب، تجمهر مجموعة من المصريين عند الجانب المصري من معبر رفح، معربين عن دعمهم لأهالي غزة ضد جرائم الاحتلال، ورفضهم لكل مشاريع التهجير ومحاولات التحايل لتنفيذها، وعلا هتافهم: “شدي حيلك يفلسطين.. بكرة الـ 100 مليون جايين”..
وأعلن مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين في الأردن انضمامه للإضراب العالمي، معلنين الإضراب الشامل دعما لغزة ورفضا لمجازر يرتكبها الاحتلال فيها، وتزامنا مع الإضراب انطلقت مسيرات شعبية جابت الشوارع تطالب بوقف الحرب.
أما تونس فقد ضجت عاصمتها بالمظاهرات الداعمة لغزة والرافضة لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال عليها، وميزتها المسيرات الطلابية التي أفاضت على المسيرات بزخم كبير، وخارج العاصمة نظم طلاب القيروان فاعلية احتجاجية دعما لغزة، علا فيا هتاف: “مقاومة مقاومة لا صلح لا مساومة”.
لكن المشهد المهيب لم يخل من الألم، الذي حضر في صورة حادث أليم، سقط فيه الشاب “فارس خالد” من أعلى إحدى البنايات المرتفعة، بينما كان يحاول رفع العلم الفلسطيني عليها، وقد نعي بلقب “شهيد العلم الفلسطيني”، ونعاه والده بعدما احتسبه شهيدا فقال: “صحة عليه.. وأقول للمقاومة: بعثتُ لكم أخوكم”.
وبالمثل كان الأمر في المغرب، حراك حاشد يندد بجرائم الاحتلال، ويتوجه حراك طلابي لتلاميذ المدارس والمؤسسات التعليمية، في العاصمة وفي تطوان المغربية، صارخا: “لن نتخلى عن غزة”، كما نظم محتجون من القطاع الصحي وقفة أمام المركز الاستشفائي الجامعي بمدينة وجدة.
أما سوريا، فقد احتشدت فيها التظاهرات الداعمة لغزة المنددة بالمجازر يرتكبها الاحتلال فيها في العاصمة دمشق، ومدينة التل، ومدينة حماة. واحتشدت التظاهرات الداعمة لغزة في مدن لبنان ومخيماته، ونظم طلبة الجامعة اللبنانية وقفة بمنطقة الحدث في بيروت، وخرجت حشود بشرية عارمة في مدينة صيدا. كذلك تم تنظيم وقفة تطالب بالتحرك لوقف المجازر التي يرتكبها الاحتلال في غزة أمام مجمع النقابات المهنية في عمان.
موريتانيا، احتشد مئات الآلاف من المتظاهرين في العاصمة نواكشوط، وحاصروا السفارة الأمريكية، منددين بمجازر الاحتلال والدعم الأمريكي غير المحدود له، كما تظاهر الآلاف في مدينة لعيون دعما لغزة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وخرجت تظاهرة في بنجلاديش دعما لغزة وإسنادا لها تزامنا مع الانخراط في الإضراب العالمي.
الرأي العام الدولي
شاركت عدة محال تجارية في مدينة إسطنبول التركية في الإضراب العالمي، فأغلقت أبوابها، وعلقت مطبوعات تفيد بأن ذلك دعما لغزة، واحتجاجا على الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال فيها.
وأغلق متظاهرون شوارع العاصمة البريطانية لندن، رافعين مطلب مقاطعة إسرائيل، بسبب جرائم الحرب التي ترتكبها في غزة. وبالمثل كان الموقف في إيطاليا، لكنه انتهى باعتداء الشرطة على المتظاهرين الداعمين لفلسطين.
كذلك احتشد المتظاهرين في شوارع باكستان وأستراليا وغيرها من الدول، إسناداً لغزة وتنديداً بجرائم الاحتلال.
وفي تقييم إجمالي، اعتبر “قاسم” في تصريحاته تلك الحراكات أحد المعاول المهمة التي تقوض دعائم الاحتلال، فقال: “الإضراب أحد الأدوات التي يبنى بها الرأي العام، وعلى الرغم من أنه قد لا يؤثر بشكل مباشر، يجب أن ننظر إليه باعتباره حلقة تراكمية، حيث تتراكم النضالات ضد الصهيونية، وتفضح روايتها والرواية الأمريكية والغربية بصفة عامة”.
وأضاف: “من هذا المنطلق، ينبغي علينا النظر للإضراب على أنه على الرغم من أنه لن يزعزع، سيبقى حلقة من تراكمات عديدة قد نصل منها إلى زعزعة الموقف الإسرائيلي- الأمريكي، وتلك الحراكات مهما كانت ضعيفة ستتوسع وتتمدد في المستقبل، وعلى الرغم من عدم امتلاكي تقييما لمستوى الاستجابة لدعوى الإضراب، أعتبرها خطوة تضاف إلى تراكمات نبنيها لتدمير السردية الإسرائيلية”.