
تحدث الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن تصريحه المثير للجدل حول تهجير الفلسطينيين من غزة، الذي أعلنه عقب لقاء رئيس وزراء الاحتلال أمس، فقال: “الجميع يرحبون بمقترحي الخاص بغزة”.
يأتي هذا بينما نقلت قناة كان العبرية: أن تلك التصريحات أثارت زوبعة كبيرة بالولايات المتحدة، بما في ذلك احتجاج أعضاء بالكونجرس على الخطة التي أعلنها “ترامب” في تصريحاته، واصفين إياها بأنها “غير قانونية”، متعهدين بإيقافها.
كذلك هاجم “آل جرين”- السيناتور الديمقراطي بالكونجرس- تصريحات “ترامب” داخل قاعة البرلمان، فقال: “التطهير العرقي ليس مزحة، لاسيما حينما يصدر من رئيس الولايات المتحدة، الشخص الأقوى عالميا يملك تنفيذ ما يقول”.
ووجه حديثه “لنتنياهو” قائلًا: “إن عليه أن يخجل من نفسه، فالتطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية”، وأدان تصريحات “ترامب”، كما أدان رئيس وزراء الاحتلال.
ثم أعلن “آل جرين” بدء حركة لعزل الرئيس الأمريكي، وأنه سيقدم بنفسه مواد عزل الرئيس، وعلل ذلك بسبب “المقترحات الشائنة في أقواله والأفعال المشينة التي ارتكبها”، مؤكدا أن حركة عزله ستكون حركة شعبية، مناشدا الشعب الأمريكي بأسره بالتحرك ضد “ترامب”.
ومع تنافي اتجاه الرئيس الأمريكي ورؤيته للتأييد الكبير لمقترحه، مع المعارضة الأمريكية الصريحة له، كان السؤال حول كلمة “الجميع” الذين يراهم “ترامب” مؤيدين لمقترحه، فمن يكون هذا “الجميع”؟ وهل ثمة “جميع” آخر يرفض ما صرح به؟
داعمي المقترح
كان “نتنياهو” أول من أثنى على “ترامب” بعد تلك التصريحات، حيث رآه صديقا حقيقيا لإسرائيل، وأن الصداقة بينهم والولايات “أقوى من أي وقت مضى”.
أما “بيني جانتس”- رئيس حزب معسكر الدولة الإسرائيلي المستقيل من تحالف الحكومة الإسرائيلية يونيو الماضي- فقد رأ في تصريحات “ترامب” نقلا للمسؤولية إلى المجتمع الدولي بدلا من حماس، وذلك فيما يتعلق بسكان غزة، وقال: إن ذلك أهم ما أكد عليه في تلك التصريحات.
وكان من المنطقى أن يكون رجال الإدارة الأمريكية البارزين في صدارة مؤيدي مقترح رئيسهم، حيث هاجم “مايك والتز”- مستشار الأمن القومي الأمريكي- كل رافضي المقترح، متهما إياهم بعدم امتلاكهم “رؤية واقعية للشعب الفلسطيني”، وتحدث عن استحالة بناء غزة من جديد، في ظل بقاء سكانها فيها.
وعلى الرغم من معارضة أعضاء بالكونجرس للمقترح، أشاد “مايك جونسون”- رئيس مجلس النواب الأمريكي- بالمقترح، الذي وصفه بالإجراء الجرئ والحاسم، الذي من شأنه إقرار السلام في غزة، جاعلا “الأمن الإسرائيلي” على رأس أولويات لقاءه “نتنياهو”، الذي أبدى تطلعه له.
لكن الإعلام العبري الذي لم يبد معارضة للاقتراح، كان له رأي آخر، حيث أجمع على خلو المقترح من الواقعية ووصفوه بالخطير.
وقد رأت صحيفة هآرتس العبرية أن هذا المقترح سيكون ثمنه الأسرى في غزة، وأن الغرض الحقيقي “لترامب” من المقترح هو مصلحته الشخصية، حيث يقدم نفسه “رجل الحلول الجذرية”، متهكمة من جنوح طموحه هذه المرة.
أما صحيفة يديعوت أحرونوت فقد انتقدت مستوى ثقة “ترامب” في قابلية خطته للتحقق، مستندة في ذلك للشارع الإسرائيلي الذي يتساءل عن مصدر ثقته والكيفية التي يبني بها تقديراته.
الموقف العربي
تحدثت الدكتورة “نعيمة أبو مصطفى”- الباحثة في الشأن الفلسطيني الإسرائيلي- في تصريحات خاصة “لليوم” عن الصمت العربي المحفز لأطماع “ترامب” وإسرائيل، فقالت: “ضعف الموقف العربي هو ما أوصلنا لهذا الترامب، من ناحية الأنظمة والشعوب، فغزة تباد على مدار 15 شهرًا والجميع يجلس في مقعد المتفرج دون اتخاذ موقف يذكر، ومن هنا يكون من الطبيعي أن يطمع ترامب في تحقيق مثل هذا المطلب”.
وأضافت: “الدول العربية الوحيدة التي تعلن مواقف رافضة لمشروعات التهجير هي مصر والأردن والإمارات والسعودية، وهي دول ذات ثقل، أما باقي الدول فتلتزم الصمت التام، فماذا ننتظر من تلك الدول الاستعمارية أمام ذلك؟”
وهو بالفعل ماحدث، حيث كانت مصر من أوائل الدول التي اتخذت موقفا قاطعا حيال تلك القضية، تمثل في تصريحات حاسمة لرئيس الجمهورية “عبد الفتاح السيسي“، الذي رأى في تلك المشروعات ظلما واضحا للفلسطينيين بتهجيرهم عن أرضهم، ورفض أن تشارك مصر في هذا الظلم.
كما أكدت وزارة الخارجية موقف “السيسي” تمسكها بحق الشعب الفلسطيني في الثبات والبقاء على أرضه، وأن حل الصراع الذي تؤيده مصر وترضى به، هو إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967.
وعلى ذات المنوال، رفض العاهل الأردني تلك الخطط والمشروعات، وأعلن تصديه لها والحيلولة دون نقل الفلسطينيين للأردن، وإن اضطره الأمر للمواجهة العسكرية مع الاحتلال.
كما أكد على أهمية وقف وتيرة الاستيطان، ورفضه التام لضم أراضي الضفة الغربية للأراضي المحتلة وتهجير أصحابها منها.
أما الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” فقد صرح برفضه التام لجميع مشروعات التهجير، الهادفة لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه.
كذلك أصدرت المملكة العربية السعودية بيانا فجر الأربعاء رفضت فيه تصريحات “ترامب” بالتهجير، مؤكدة على ثبات موقفها وعملها الدؤوب للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهددت بأنها لن تطبع العلاقات مع الاحتلال دون تحقيق ذلك.
وبالمثل رفضت الإمارات العربية المتحدة بشكل قاطع “المساس بالحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومحاولة تهجيره”.
وفي تأكيد لحديث العاهل الأردني، قال “أيمن الصفدي”- وزير خارجية الأردن: إن الأردن سيحارب، لأن تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن بشكل جماعي هو إعلان حرب من الاحتلال.
عمان كانت دولة أخرى رفضت لمشروعات التهجير في بيان رسمي، أكدت فيه على ثبات مواقفها من أي محاولة لتهجير أهل غزة عن أرضهم.
وانضمت اليمن لقطار رفض التهجير بموقفين، الأول: كان موقف جماعة أنصار الله الحوثيين التي أدانت تصريحات ترامب بالتهجير ووصفتها بمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، وأعلنت استعدادها للتصدي بكل الأساليب للحيلولة دون تنفيذ تلك المشروعات.
والثاني: كان موقف حكومة التغيير والبناء التابعة للجماعة في صنعاء، حيث اعتبرت في بيانها تصريحات ترامب جهلًا “بعراقة الشعب الفلسطيني”، مؤكدة أنها لا تعدو ان تكون محاولة معنوية لإزالة صدمة الاحتلال من عودة أهالي شمال غزة لأرضهم.
واعتبرت تلك التصريحات تأكيد للخقيقة الثابتة “بأن أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة”، ووجهت حديثها “لترامب” بأن الفلسطينيين لا يبحثون إلا عن “وطنهم وحقهم في تحريره”.
وكذلك أكدت جامعة الدول العربية على مخالفة طرح “ترامب” للقانون الدولى، وشددت على الرفض العربي والدولي للمقترح، واصفة إياه بأنه “وصفة لانعدام الاستقرار ولا يسهم في تحقيق حل الدولتين”.
موقف المنظمات الدولية
رفضت الأمم المتحدة مقترح “ترامب” مؤكدة على ضرورة تفادي التطهير العرقي في غزة، وأوضح “ستيفان دوجاريك”- المتحدث باسم الأمين العام: أن التهجير القسري للفلسطينيين هو تطهير عرقي.
كما أشار لرفض العودة للحرب في القطاع، بحديثه عن رفض العودة للموت والدمار في غزة، مؤكظا على ضرورة مواصلة الضغط لإتمام وقف إطلاق النار الدائم فيها، وإطلاق سراح جميع الأسرى.
أما “فرانشيسكا ألبانيز”- المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين- فقد هاجمت مقترح “ترامب” بشدة، ووصفته: بأنه “مجرد هراء ومنافية للقانون وغير أخلاقية وغير مسؤولة على الإطلاق، وستزيد الوضع سوءا”.
وجرم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أي محاولات للنقل القسري أو الترحيل للفلسطينيين، وقال: إنه أمر محظور تماما، وشدد على ضرورة إعادة إعمار غزة تحت مظلة احترام القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان.
ووصفت هيومن رايتس ووتش عملية تهجير الفلسطينيين من أرضهم بأنها “عمل شنيع” من الجانب الأخلاقي.
وفي تعبير عملي عن الموقف الرافض، غيرت مجموعة “عرب أمريكيين لأجل ترامب” اسمها لتصبح “عرب أمريكيين لأجل السلام”، معلنة رفضها لخطط “ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة.
مواقف إسلامية
أعلنت بعض الدول المسلمة غير الناطقة بالعربية مواقف رافضة لمشروعات “ترامب” للتهجير، والتصريحات التي كشف فيها الستار عن تلك المشروعات، وكانت الحكومة الأفغانية أولى تلك الدول، حيث أصدرت بيان رسمي، أدانت فيه تلك التصريحات واعتبرتها “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
وأقرت بأن غزة جزء من أرض فلسطين لا يتجزأ عنها، ومصير شعبها لا يحدده غيرهم.
إيران: كانت دولة أخرى أدانت تصريحات تهجير أهل غزة ومشروعاته، عبر بيان على لسان “إسماعيل بقائي”- المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، وألقت بالمسؤولية على المجتمع الدولي في ضمان حق تقرير المصير للفلسطينيين، بدلا من ترويج أفكار “التطهير العرقي”، ورأت في تلك المشروعات “محوًا استعماريًا” للقطاع وكامل فلسطين.
مواقف دولية
تحركت دول غير عربية وليست من الأمة الإسلامية لإدانة تصريحات “ترامب” ومشروعاته، حيث أكد الاتحاد الأوروبي أن غزة “جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية”، لكنه أضاف للإفادة التي أعلنها كلمة “المستقبلية”، منعا لاعتبار تصريحاته اعترافا بتلك الدولة.
واتفق كل من وزير خارجية كوبا ورئيس تشيلي مع الاتحاد الأوروبي فيما قاله بشأن غزة، لكن كوبا نوهت لضرورة احترام الولايات المتحدة وإسرائيل ذلك، بينما أعلنت تشيلي دعمها قيام الدولة الفلسطينية “ذات سيادة وحدود معترف بها دولياً”.
أما “لويس إيناسيو لولا دا سيلفا”- الرئيس البرازيلي- فقد نظر لاجتماع “ترامب- نتنياهو” التي أعلنت فيه تلك التصريحات، على أنه اتفاق بينهما على احتلال غزة وتهجير شعبها.
وتحدث باحترام إرادة الشعب الفلسطيني القادر وحده على إعادة إعمار أرضه في غزة، وبناء منازله ومستشفياته ومدارسه، ليحيا فيها بكرامة.
أما الخارجية البلجيكية فقد جرمت التهجير القسري الذي أعلنه “ترامب” للسكان في غزة والضفة الغربية، معتبره إياه “انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني الدولي”.
وكانت كندا أخر من أعلن موقفه، حيث صرحت وزيرة الخارجية الكندية بمعارضة التهجير القسري للفلسطينيين، مشددة على التزام بلدها بدعم حل الدولتين، ومؤكدة على ثبات موقفهم من غزة.
ومع كل تلك المواقف الرافضة، وقفت “أبو مصطفى” على ضرورة إيجاد حل جذري لتلك الطموحات الاستعمارية، فقال في خضم تصريحاتها “لليوم“: “نحتاج لموقف عربي موحد قوي حاسم ضد تلك التصريحات والتحركات، حتى لا تسير الأمور من سيء لأسوأ”.
وأوضحت خطورة تصريحات “ترامب” التي تستلزم تلك التصريحات، فقالت: “تهجير الفلسطينيين طلب قديم تم تجديده، فتلك هي صفقة القرن التي طرحها ترامب في ولايته السابقة، وكان “التهجير” جزء أساسي فيها، كي تتحقق دولة إسرائيل من النيل للفرات، وتعمم الديانة الإبراهيمية، وما يطرحه الآن مقدمة لتحقيق ذلك، فهو لن يقف عند حدود طلب تهجير الفلسطينيين فحسب، بل سيطالب بما هو أكثر وما خفي أعظم”.
لكن الشاهد الذي لا يمكن تغييره أو إغفاله في تلك القضية- التي تستفيض لتسعها آلاف السطور- أن تمسك شعب غزة بأرضهم على الرغم من الدمار كان تجسيدا للفشل الإسرائيلي في كسر إرادة هذا الشعب، الذي سيفصل كل مخططات “ترامب”، كما قال “محمد هندي”- نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، مرجعا ذلك لأن تلك “مسألة وطن وليست صفقة عابرة”.
إقرأ أيضا: ترامب يقترح “ريفييرا الشرق” في غزة.. والعالم يرد: لا لتغيير هوية المنطقة