هل نحن أمام انفراجة حقيقية نحو وقف إطلاق النار في غزة؟

مع تصاعد الجهود الدبلوماسية، تتجه الأنظار نحو إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، وتأتي هذه التطورات وسط وساطة مصرية وقطرية مكثفة، إلا أن العقبات السياسية والميدانية تعكس مدى تعقيد الوضع، ورغم تكرار الحديث عن قرب إبرام اتفاق، يثار التساؤل حول مدى واقعية هذه الجهود هذه المرة.
الظروف الميدانية
تشير المؤشرات الحالية إلى أن إسرائيل نجحت في تحقيق مكاسب ميدانية كبيرة في غزة، أبرزها القضاء على عدد من قيادات حركة حماس وتوسيع نفوذها الأمني في بعض المناطق الاستراتيجية.
وبحسب اللواء محمد عبد الواحد، الخبير في العلاقات الدولية وشؤون الأمن القومي، فإن “الظروف الآن مواتية تمامًا لإبرام صفقة ناضجة”، خاصة مع الضغط الهائل على الشعب الفلسطيني نتيجة تدهور الأوضاع الإنسانية.
لكن المفاوضات لم تخلُ من التحديات، إذ يرى اللواء عبد الواحد، في تصريحات خاصة لـ”اليوم”، أن العملية التفاوضية تحولت من شكلها التقليدي إلى عملية إملاءات من الجانب الإسرائيلي، حيث بات الطرف الفلسطيني يُجبر على القبول بشروط مجحفة دون امتلاك بدائل أخرى.
انفراجة محتملة أم تعقيد إضافي؟
رغم الحديث عن تقدم في المفاوضات، لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام التوصل إلى اتفاق شامل ومستدام. التصعيد الإسرائيلي المحتمل بإضافة شروط جديدة، مثل تعزيز السيطرة الأمنية على المناطق الحدودية، يزيد من مخاطر تقويض المفاوضات.
على الجانب الفلسطيني، تعكس الخلافات بين الفصائل قلقًا من أن تؤدي التفاهمات الحالية إلى إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية أو تمكين حركة حماس مجددًا.
وبحسب اللواء عبد الواحد، عوامل تدفع نحو الانفراجة:
- التقدم في المفاوضات: الجهود القطرية والمصرية ساهمت في تقريب وجهات النظر وحلحلة بعض القضايا العالقة.
- التنازلات من الأطراف: قبول حماس ببعض الشروط الأمنية مثل التواجد الإسرائيلي المؤقت، وهو تطور لافت يشير إلى مرونة غير معهودة.
- ضغوط داخلية إسرائيلية: المعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى تضغط على نتنياهو للوصول إلى صفقة تبادل أسرى، ما يضعف موقفه المتشدد.
عوامل قد تعيق الانفراجة:
- الشروط الإسرائيلية المستجدة: تكتيك نتنياهو المعروف بـ”سياسة حافة الهوية” قد يؤدي إلى إضافة شروط جديدة تعيق التوصل لاتفاق.
- الخلافات الفلسطينية الداخلية: قلق حركة فتح من تشكيل لجنة إدارة غزة يشير إلى احتمال تصاعد النزاعات الداخلية بعد الحرب.
- التأثير السياسي الداخلي: المناورات السياسية في إسرائيل، حيث يحاول نتنياهو الحفاظ على استقرار ائتلافه، قد تؤدي إلى تخريب الجهود المبذولة.
تطورات الوساطة
وشهدت العاصمة القطرية الدوحة جولات من المفاوضات غير المباشرة، ركزت على قضايا عالقة حساسة. أبرز التنازلات التي قدمتها حماس كانت موافقتها على وجود أمني إسرائيلي مؤقت في بعض المناطق، مثل محاور نتساريم وفلاديلفيا، في مقابل تسهيل عمليات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار المؤقت.
ومع ذلك، برزت قضية “لجنة الإسناد المجتمعي”، المقترحة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، كإحدى القضايا الجدلية. أثارت هذه اللجنة مخاوف حركة فتح التي اعتبرت أن تشكيلها قد يقسم الفلسطينيين بين الضفة الغربية وغزة ويقلص دور الرئيس محمود عباس.
بينما أكد اللواء عبد الواحد وجود تفاهمات مصرية مع حركة فتح لتخفيف هذه المخاوف، لا تزال هناك شكوك حول مدى توافق الأطراف على هذا الإطار الجديد.
الداخل الإسرائيلي
على الجانب الإسرائيلي، يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضغوطًا سياسية داخلية كبيرة، حيث يتهمه خصومه بإدارة الحرب بشكل سيئ وتعمد عرقلة صفقة الأسرى لأسباب تتعلق بحساباته السياسية.
وزعيم المعارضة يائير لابيد قال صراحة إن “نتنياهو يخشى سقوط حكومته حال انتهاء الحرب”، مشددًا على ضرورة وقف الحرب وتركيز الجهود على إعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة.
وفي السياق نفسه، اتهم أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، نتنياهو بتجاهل قضية الأسرى لصالح الحفاظ على ائتلافه الحكومي، معتبرًا أن “هناك فرصة لإبرام صفقة شاملة تشمل إطلاق سراح جميع الأسرى”.
الضغوط الإسرائيلي
عائلات الأسرى الإسرائيليين أصدرت بيانًا شديد اللهجة، طالبت فيه القيادة الإسرائيلية بوقف العمليات العسكرية والعمل على إعادة أبنائهم من غزة. هذا البيان يعكس التوتر المتصاعد داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي بدأ يفقد الثقة في إدارة نتنياهو للأزمة.
الدور المصري
تلعب مصر دورًا محوريًا في هذه المفاوضات، حيث تسعى لتحقيق توازن بين مطالب الأطراف المختلفة. ورغم التحديات الكبيرة، استطاعت القاهرة تقريب وجهات النظر في بعض القضايا الأساسية. ومع ذلك، فإن استمرار التعنت الإسرائيلي والخلافات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية يضعف فرص تحقيق اختراق كامل.
الدور المصري يتأثر أيضًا بتغير الظروف الميدانية والسياسية، حيث يرى اللواء عبد الواحد أن القاهرة قد تضطر في بعض الحالات إلى لعب دور المراقب إذا استمرت إسرائيل في فرض شروط جديدة تعيق التقدم.
مستقبل الجهود الدبلوماسية
تبقى المعاناة الإنسانية في غزة العامل الأكثر إلحاحًا، حيث يعاني السكان من أوضاع معيشية كارثية نتيجة القصف والحصار. ويبدو أن أي تأخير في التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد الميداني والضغط على الأطراف للتوصل إلى تسوية.
تعليق واحد