
لطالما عُرف الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بأسلوبه غير التقليدي في التواصل السياسي والإعلامي، وهو نهج يتجاوز مجرد التصريحات المثيرة للجدل ليصبح استراتيجية متكاملة لصناعة الرأي العام والتأثير في وسائل الإعلام.، ولعل أهم الاستراتيجيات التي يتبعها، تعود جذورها إلى مستشاره السابق “ستيف بانون”، وتُعرف بنظرية “إطلاق النار بأسرع معدل” أو ” The Machine Gun Theory”.
إطلاق النار بأسرع معدل: هي إستراتيجية تقوم على إغراق وسائل الإعلام والجمهور بسيل من الأخبار المثيرة والمتضاربة، بحيث يصبح من المستحيل على الصحفيين والمراقبين التركيز على قضية واحدة، أو حتى تتبع القضايا المهمة التي تحدث خلف الكواليس- وفقًا “لبانون”.
وقد وصف “بانون” هذه الفكرة بوضوح عندما قال: “نظرًا لأن وسائل الإعلام تتكون من أشخاص أغبياء، فلا يمكنها التركيز إلا على شيء واحد، لذا علينا أن نغرقهم بسيلٍ من الأخبار المثيرة، وسيفقدون السيطرة على ما هو مهم حقًا.. بانج، بانج، بانج، ولن يتعافوا”.
بمعنى آخر، كلما زاد عدد القضايا المثيرة للجدل في المجال العام، زادت صعوبة متابعة الحقيقة أو التركيز على أخطاء الإدارة، مما يمنح “ترامب” وفريقه مساحة أكبر لتنفيذ سياساتهم دون رقابة.
تطبيق النظرية: استخدم “ترامب” هذه الإستراتيجية بمهارة مع وصوله السلطة، عبر سلسلة من التصريحات المثيرة التي تصدرت العناوين يوميًا، مثل: اقتراح شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك، تهديده المستمر بانسحاب الولايات المتحدة من منظمات دولية.
وكذا تصريحات مفاجئة حول الحروب التجارية مع الصين وأوروبا، واقتراحاته المثيرة للجدل حول حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مثل: نقل سكان غزة إلى مناطق أخرى.
كل هذه الأخبار خلقت حالة من الفوضى الإعلامية، حيث كان من الصعب على المحللين التركيز على مسألة واحدة أو كشف السياسات الأكثر أهمية التي كانت تُنفذ في الخفاء، مثل إعادة هيكلة المؤسسات الفيدرالية أو تفكيك بعض الأجهزة الأمنية.
“ترامب وماسك… تحالف الفوضى”: إحدى أبرز المخاوف التي طرحها الإعلام مؤخرًا هي العلاقة بين ترامب والملياردير “إيلون ماسك”، التي تجلت في تقارير تتحدث عن تحركات غير مسبوقة لتفكيك الحكومة الفيدرالية الأمريكية.
وتشير بعض التقارير إلى أن “ماسك” وفريقه سيطروا على أنظمة البيانات المالية الأمريكية، وألغوا بروتوكولات أمنية حساسة، وطردوا مسؤولين كبارًا، كل ذلك وسط سيل من الأخبار الجانبية التي شغلت الإعلام عن هذه التطورات.
ويُقال أيضًا إن إدارة “ترامب” عرضت تعويضات مالية لموظفي الاستخبارات الفيدرالية مقابل استقالاتهم، في خطوة تهدف إلى إضعاف الأجهزة الأمنية التقليدية. كما طالب بكشف هويات العملاء الفيدراليين، الذين شاركوا في التحقيقات حول اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021، أثارت مخاوف كبيرة حول مستقبل الأمن القومي الأمريكي.
وإذا استمر ترامب في تطبيق نظريته الإعلامية خلال فترة ولايته الثانية، فقد نشهد إعادة تشكيل جذرية لمشهد الحكم في الولايات المتحدة، حيث تصبح الحكومة أقل مركزية، بينما تزداد قوة وتأثير الشركات الكبرى والشخصيات الثرية مثل “ماسك”.
إن “نظرية إطلاق النار بأسرع معدل” ليست مجرد تكتيك إعلامي، بل هي استراتيجية متكاملة للسيطرة على السرد العام، وإعادة هيكلة السلطة، والتأثير على القرارات السياسية دون رقابة كافية.
إقرأ أيضًا:
حلقة (1): ترامب… الشخصية النرجسية العنيفة
تعليق واحد