الرئيسيةعرب-وعالم

الشركات الأمنية الأمريكية بغزة وارتكاب الإبادة بمنأى عن العقاب

تقرير: مروة محي الدين

تواتر الحديث، في الآونة الأخيرة، في وسائل الإعلام الأمريكية عن تورط شركات أمنية أمريكية، في قتل أهالي القطاع ممن ينتظرون المساعدات، في نقاط التوزيع أو بالقرب منها، حتى بعث نواب ديمقراطيون بالكونجرس رسالة إلى شركتين منها، قالوا فيها: “نشعر بالفزع من تنفيذكم عمليات أمنية مميتة فى غزة، حيث أرسلتم متعاقدين لغزة للقتال واستخدام القوة ضد المدنيين، ما يعرض عناصركم للمسؤولية الجنائية”.

وذلك في إشارة مباشرة مباشرة، إلى شركتي “UG Solutions و Safe Reach Solutions- SRS”، فما هي قصة الشركتين؟ وما علاقتهما بالإبادة في غزة؟

ماهية الشركتين

تأسست شركة UG Solutions عام عام 2023، في ديفيدسون بولاية كارولاينا الشمالية، ويديرها “جايمسون جوفوني- جيمس جوفاني”، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة الأمريكية- القبعات الخضراء، شارك في حربي العراق وأفغانستان.  

ويعمل بها 100 فرد مسلح، ببنادق بنادق (إم 4) ومسدسات (جلوك)، معظمهم من القوات الخاصة السابقة، ووكلاء الاستخبارات المركزية (CIA) السابقين، ويجيد بعضهم اللغة العربية، وتبدأ رواتبهم من 1,100 دولار يوميًا، مع مقدم 10,000 دولار، ويعملون بقواعد اشتباك غامضة.

فيما تقدم شركة SRS خدمات لوجستية، وتخطيط أمني في مناطق النزاع، بدون أن تتواجد ميدانياً بشكل مباشر، وكأنها مظلة تنسق مع شركات فرعية مثل UG، وتركز على النقل الآمن بالتنسيق مع المجتمعات المحلية، تحت شعار: “حلول مخصصة لأكثر البيئات تعقيدًا”.

غطاء إنساني

 

الشركتان اللتان تعاقدتا- مع توقيع اتفاق الهدنة في غزة- على تولي مهمة تفتيش مركبات العائدين من جنوب القطاع إلى شماله، عند محور نتساريم، بمعزل عن قوات جيش الاحتلال. ومع ظهور المجاعة، وتولي الصندوق الإنساني العالمي توزيع المساعدات في القطاع، اضطلعت الشركتان بمهمة التواجد في مراكز التوزيع وحولها، تحت دعوى تنظيم الجموع، لتعلو الاتهامات في الإعلام الأمريكي لعناصرهما بإطلاق النار مباشرة على طالبي المساعدات.

وفي ذلك يقول الدكتور “محمد الألفي”- خبير الاقتصاد السياسي- في تصريحات خاصة لموقع اليوم: “إن عمل تلك الشركات كان له هدفين معلنين: الأول: كان منع تهريب الأسلحة إلى شمال غزة، عبر تفتيش المركبات مع إعفاء المشاة من التفتيش؛ والثاني: قطع صلة حماس بالسكان، عبر السيطرة على توزيع المساعدات”.

مرتزقة يحترفون الإبادة

على الرغم من، أن ظاهر الأمر لعمل الشركتين لاسيما “UG Solutions” أنه عمل إنساني، فإنهما تشاركان- حسب شهادات أمريكية- في الجرائم ضد أهل القطاع، وهما ليستا طرفًا في الصراع، ولا يتبعون الحكومة الأمريكية ولا أي من وكالاتها، ومقرهم في الولايات المتحدة يتبع كيان أجنبي، كما أنهم يعملون مقابل المال، بما يجعلهما شركات مرتزقة، تستتر خلف واجهة المقاول العسكري.

وحول الانتهاكات التي ارتكبتها تلك الشركات، يقول “الألفي”: “تعددت جرائم تلك الشركات، فبدأت باستخدام القوة المفرطة، حيث حولت شركة UG، في مايو 2025، مراكز توزيع المساعدات إلى مصائد قتل، تطلق فيها النار مباشرة على المدنيين الجياع، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا يوميًا وأضعافهم من المصابين، الذين تعرض بعضهم لبتر الأطراف، بسبب استخدام ذخائر متفجرة تفتت العظام، مخالفةً لقواعد الاشتباك الدولية”.

وأضاف: “وجريمتها الثانية كانت التجسس تحت غطاء إنساني، فقد كشف أمن المقاومة في غزة، في يوليو 2025، أن شركة SRS تستخدم العمل الإغاثي لجمع معلومات استخباراتية، عبر التنسيق مع عشائر محلية، ما دفعه لحظرها في القطاع”.

ولم تكن لدى تلك الشركات القدرة على ارتكاب الجريمة، لولا ضمانها للإفلات من العقاب، حيث “لا تتضح الجهة القانونية المسؤولة عن تصرفات مقاتلي الشركة في غزة، وعبر تاريخ شركة UG، كان مديرها جايمسون غوفوني له سجل جنائي، فاعتُقل في أبريل 2025، لتهربه بعد حادث دهس في كارولاينا الشمالية، ثم أُطلق سراحه بكفالة”- حسب خبير الاقتصاد السياسي.

ذراع إسرائيلي حرة

اعتادت الولايات المتحدة على استخدام شركات المرتزقة الحرة في مناطق الصراع، مثلما استخدمت شركة بلاك ووتر في العراق عام 2004، وذلك “لبسط سيطرتها وتجنب المسؤولية المباشرة، وفي غزة يتكئ الاحتلال والولايات المتحدة على تلك الشركات، لتنفيذ مهام خطرة دون تحمُّل تبعات سياسية أو قانونية، كما حدث في مجزرة ساحة النسور بغداد 2007”- حسب “الألفي”.

وأضاف: “كما يحقق الاعتماد على تلك الشركات نموذج الخصخصة الأمنية، وحسب لخبراء إسرائيليين تمثل تلك الشركات حلاً انتقالياً، لتحويل السيطرة المدنية في غزة إلى جهات غير حكومية، مع استمرار الاحتلال العسكري”.

وكان “فيليب لازاريني”- مفوض عام الأونروا- قد اتهم مؤسسة غزة الإنسانية، وهي المظلة التي تعمل تحتها الشركتان- بأنها تقدم الجوع والرصاص للمدنيين، وهي خدعة أمريكية إسرائيلية لخصخصة القتل؛ كما وصفت منظمات حقوقية عمل UG وSRS بأنه: جريمة تحت غطاء إنساني، حيث ارتبط وجودهما بزيادة الوفيات بين المدنيين خلال توزيع المساعدات.

ويتوقع خبير الاقتصاد السياسي في تصريحاته لليوم: أن “الاحتلال قد يعم لتوسيع ذلك النموذج في إدارة غزة، بديلًا للأونروا بعد أن أصدر قانونًا بحظرها”، محذرًا من مخاطر تصعيد عسكري يصل لإشعال صراع إقليمي، بسبب “وجود مقاتلين أمريكيين في منطقة تخضع لهجمات المقاومة، في ظل اتهام أمن المقاومة لهذه الشركات، بالعمل كغطاء للاحتلال”.

شركات الظل العسكرية

كل ما ظهر من عمل تلك الشركات، يعيد للأذهان قضية شركات الظل العسكرية، مثل: فاجنر وبلاك ووتر، وعملها المريب في مناطق الصراع، لاسيما إذا وضع ذلك جنبًا إلى جنب مع عمل شركة “مير سكيورتي” الإسرائيلية، التي يقول عنها “الألفي”: “إنها تجند مرتزقة من روسيا وأوكرانيا، ليقاتلوا في صفوف جيش الاحتلال، وتنفذ عمليات اغتيال واختطاف وتعذيب ضد المدنيين في غزة، منذ بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2023- حسب تقارير لمركز أبحاث (من يربح)”.

حيث يثير أسلوب وطريقة عمل كلًا من UG وSRS، المخاوف من تكرار نموذجي شركات فاجنر وبلاك ووتر، وأفاد خبير الاقتصاد السياسي: بأن كلتا الشركتان تمثل “تكرارًا لنموذج المرتزقة في مناطق الصراع، لاسيما في استخدام القوة المفرطة، ومن هنا تعتبر كلتا الشركتان وريثة لثقافة بلاك ووتر في خصخصة الأمن مع ضعف الرقابة، على الرغم من أنها لا توجد لديهما روابط تنظيمية مباشرة بها”.

وأضاف: “بينما لا نجد روابط كبيرة بينهما وبين فاجنر التي تدعم أجندات سياسية، وتعمل ذراعًا تنفيذية للكرملين، وكلتا الشركتان الأمريكيتان تهدف للربح المادي، وتعمل باعتبارها شركات خاصة بعيدا عن الإدارة الأمريكية”. 

ملف الشركات الأمنية العسكرية لا يقتصر عمله على الشركتان الأمريكيتان، بل يمتد لإحكام السيطرة على إدارة الصراع العالمي، وفرض سياسات القوى المحركة للشركات، وهو ما يفتح الحديث في الحلقة القادمة عن القوى الخفية، المحركة للصراعات العالمية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights