د. أيمن سمير يكتب: سلطنة عمان.. قوة السلام ومحور الاستقرار

لم يأت إختيار سلطنة السلام ” سلطنة عمان “مكان لإستضافة المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية من فراغ ، فمنذ فجر التاريخ كانت سلطنة عمان على الدوام ” قوة للسلام ومحوراً للإستقرار ” ليس فقط في منطقة الخليج وغرب آسيا ، بل في كل الإقليم العربي والشرق الأوسط والعالم أجمع ، ولهذا تحتفظ سلطنة عمان ” بمكان ومكانة ” خاصة ومتميزه في عقول وقلوب الجميع بعد نجاح القيادة العمانية في رسم ” صورة نمطية وذهنية زاهية وراقية ” عن شعب وحضارة سلطنة عمان التي بات الجميع يرنو إليها ، وينتظر منها أن تكون المكان الذي يشيع وينشر السلام والإستقرار في العالم.
تحليل الخطاب السياسي لسلطنة عمان خلال العقود الخمس الماضية يؤكد أنها باتت ” نموذج في القيم السياسية” التي تقوم على أسس ثابته أساسها البناء والإزدهار ، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والشعوب الأخرى ، بعد أن أثبتت سلطنة عمان للعالم أن الدبلوماسية والحلول السياسية هي أفضل وسيلة لحل الخلافات والصراعات بعيداً عن لغة ” البندقية والرصاص “.
تؤمن سلطنة عمان بمشروع سياسي وفكري يقوم على أن ما يجمع البشرية ويوحدها أكثر بكثير من عوامل الخلاف والتشظي ، ولهذا تعمل بدبلوماسيتها الرفيعة ، وحضارتها الضاربة في جذور التاريخ ، وسمات شعبها الفريده على” تهدئة التوترات و ” تبريد الصراعات ” وهو ما حولها بالفعل إلى ” واحة سلام ” وسط منطقة ظلت تعاني لسنوات طويلة من ” ألسنة اللهب ” التي تنتشر في كل مكان ، وتهدد مقدرات شعوب ودول المنطقة.
تثبت سلطنة عمان أن المستقبل يبدأ من الماضي ، وأن حضارة وثقافة شعب عمان كانت وسوف تظل على مر التاريخ ” منصة ” الخير والبناء والأمل ، ونشر ” ثقافة الحياة ” ، ولهذا تبقى سلطنة عمان ” منارة للعمل الجاد ” ، و” بيئة للإخلاص الوطني والعربي والإسلامي والإنساني ” ، وعنوان لكل المشتركات الإنسانية التي يجتمع عندها كل البشر مهما إختلفت ثقافتهم وتباينتمصالحهم ، فالجميع يجد في سلطنة عمان مكان ومساحة للتلاقي ، وحل للخلافات والنزاعات ، فقبل عقد من الزمان، وفي الإسبوع الثاني من شهر يوليو 2015 نجحت سلطنة عمان بالفعل في انجاز إتفاق ” 5+1 ” بين إيران من جانب ، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا من جانب أخر ، وهو الإتفاق الذي يعد نموذجاً في الإصرار على النجاح رغم كل المعوقات والتحديات ، ورغم إنسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من هذا الإتفاق في 8 مايو 2018 إلا أن الجميع حتى اليوم يراى في هذا الإتفاق نموذجاً يمكن العمل به ، والبناء عليه في أي إتفاق جديد بين إيران والولايات المتحدة.
تؤمن سلطنة عمان بأن “الخروج من الذات نحو الآخر” هو ” الرافعة السياسية والفكرية “التي تنقل الأمم من محيطها الإقليمي إلى مصاف العالمية ، فالقراءة المتانية للدبلوماسية العمانية تقول أنها تقوم على “فكر مفتوح ، وعقل يتسع للجميع” وهو ما جعلها واحة للسلام ، وسفينة للرجاء والأمل والسعادة وسط أنواء الصراعات الإقليمية والدولية ، وذلك في إطار رؤية متوازنة تجمع بين “المحافظة على الثوابت الوطنية “، وفي ذات الوقت إكتساب كل مهارات العصر من التفرد والمكانة الرفيعة من الهيدروجين الأخصر والإقتصاد النوعي الى أعلى مستويات الذكاء الصناعي والحياة الرقمية، الأمر الذي يؤكد أن سلطنة عمان نجحت في بناء نموذج دبلوماسي قائم على ” الثقة في بناء الذات ” و” العمل بروح الإخاء والإنسانية ” مع كافة شعوب العالم.
لقد باتت مسقط من أكثر عواصم العالم المطلوبة للتوسط بين الفرقاء الاقليمين والدوليين ، وهي بذلك تعبر عن مكنون وحقيقة الشخصية العمانية التي تتسم بالإعتدال والوسطية ، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع ، فلم يثبت في سياسة عمان الخارجية أي نوع من الإنحياز أو التدخل في شئون الأخرين ، وهو ما جعل الدبلوماسية العمانية مطلوبة للتوسط ، وتقريب المسافات في مختلف الصراعات الإقليمية والدولية ، فجميع الدول سواء كانت دول عظمى أو كبرى أو حتى متوسطة وصغيرة لديها ثقة كاملة وغير مشروطة في الدبلوماسية العمانية التي أرسى معالمها ” المغفور له بإذن الله” جلالة السلطان قابوس بن سعيد ، ويؤكد على هذا المسار جلالة السلطان المعظم ” هيثم بن طارق ” حفظه الله ورعاه، و الذي أصبح مرادفاً لكل معاني السلام ، وقيم الرخاء والإزدهار والإستقرار ، وأثمرت هذه الدبلوماسية مكاسب غير مسبوقة ليس فقط لسلطنة عمان وحدها ، بل لكل الشعوب العربية والخليجية التي باتت قادرة على التعاطي مع كل التحديات الإقليمية والدولية بعد أن أصبحت سلطة عمان جسراً للتقارب بين مختلف الدول والشعوب ، وقادرة على تقديم المبادرات الناجحة والأفكار المبدعة ، وهو ما يساهم عملياً في جعل العالم العربي ” رقماً هاماً ” في صياغة المعادلات الإقليمية والدولية ، والجلوس في مقاعد الكبار عندصياغة معادلات مستقبل المنطقة.
المؤكد أن التاريخ سوف يتوقف كثيراً ” بالفحص والدرس” أمام الدور التاريخي لأداء وابداع الدبلوماسية العمانية التي يعمل عليها ليل نهار جهاز دبلوماسي رفيع يقوده معالي وزير الخارجية السيد بدر بن حمد البوسعيدي ،والذي نجح في ترجمة التوجيهات السامية لجلالة السلطان للعمل على نشر قيم ومعاني وأهداف السلام ، ونجحت بالفعل الدبلوماسية العمانية في تجاوز كل التحديات التي كانت تصنف ضمن المستحيلات من أجل التوصل الى إتفاقيات سلام تحفظ الأمن والسلم الإقليمي والعالمي ، وهو ما جعل سلطنة عمان تحفر لنفسها مقعداً متقدماً في صفوف صناع التاريخ ، فكثيرين يقرأون كتب التاريخ ، لكن سلطنة عمان التي كانت “قبل التاريخ” تؤكد أنها سوف تكون ” عنوان المستقبل ” بإصرار شعبها ، وحيوية قائدها المؤمن بقوة السلام ، وعزيمة الدبلوماسية ، الأمر الذي جعل من سلطنة عمان محوراً للتفاعلات السياسية والاقتصادية والأمنية في الخليج ، وباتت “القاطرة الموثوقه ” لقيادة كل المؤمنيين بقيم السلام والإستقرار وحق الشعوب في التنمية والإزدهار ، ويجري كل ذلك في بيئة راهن البعض من داخلها وخارجها على أنها ستبقى ” ساحة للفوضى والتجاذبات وتصفية الحسابات ” ، وهنا كان الصوت العماني الحكيم والرشيد حاضراً من أجل العمل دون كلل في البحث عن ” المساحات المشتركة ” بين الجميع.
المؤكد أن الأجيال القادمة سوف تحكي وتتحاكي عن سلطنة عمان التي إستطاعت خلق “بيئة سياسية إيجابية” تقوم على “بناء الجسور” والدفع نحو ” السمو السياسي” في معادلة سياسية أصبحت مشروعاً ونموذجاً يتحدث به وعنه الجميع في المنطقة وخارجها، ولهذا سوف تظل سلطنة عمان هي النبراس والدافع والزخم القوي التي يجسد رغبات شعوب كوكب الأرض نحو السلام والإستقرار.