اعتراف إسرائيلي بواقعية الخطة المصرية.. هل تتراجع تل أبيب عن احتلال غزة؟

أقرَّ تقدير استراتيجي صادر عن “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” (INSS)، بواقعية الخطة المصرية لوقف النار وإعادة إعمار قطاع غزة، بدلاً من خطة احتلال القطاع عبر الخطة العسكرية المعلنة “عربات جدعون”.
وقدمَّ التقدير الإسرائيلي مقاربة شاملة بين خطة احتلال غزة والمقترح المصري، الذي سبق أن تبنته الجامعة العربية ورفضته الحكومة الإسرائيلية، وذلك من منظور مصالح الأمن القومي الإسرائيلي، أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا وقانونيًا ودبلوماسيًا واجتماعيًا وسياسيًا.
وأفاد التقدير أن تتفيذ خطة جدعون سيتم بعد زيارة الرئيس ترامب الراهنة إلى الشرق الأوسط، ما لم يتم التوصل إلى اتفاقيات مع حركة حماس بحلول ذلك الوقت بشأن صفقة إطلاق سراح الأسرى بشروط مقبولة من جانب إسرائيل.
لكن ما الذي تغيّر حتى باتت تل أبيب تنظر للخطة المصرية بشكل أكثر واقعية؟ وما أهدافها الكامنة؟ وهل تسعى لاستخدام الدور المصري لتفادي التزاماتها؟ وما سبل توظيف القاهرة لهذا التغير في دفع حل سياسي شامل للقضية الفلسطينية؟
في هذا السياق، يجيب السفير المصري السابق يوسف زاده، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، على أسئلة “اليوم”، مستندًا إلى خلفيته الدبلوماسية ومعرفته بالملف الفلسطيني-الإسرائيلي.
البحث عن “شريك يخفف الأعباء”
يشير السفير زاده إلى أن استعداد إسرائيل لقبول دور مصري موسع في غزة ينبع من عدة اعتبارات، تتمثل في:
- سعي إسرائيل للتخلص من المسؤولية المباشرة عن إدارة قطاع غزة، الذي يعاني من أزمات متفاقمة.
- البحث عن دور مصري موسع يمكن أن ينقل جزءًا من هذه الأعباء إلى القاهرة، خصوصًا في مجالات إعادة الإعمار وتسهيل المساعدات.
ويضيف أن مصر، بما تملكه من سجل طويل في الوساطة، تُعد شريكًا موثوقًا لتل أبيب في التفاهمات غير المباشرة مع حماس، خصوصًا في ملفات التهدئة وتبادل الأسرى، ما يعفي إسرائيل من الظهور في مظهر المفاوض مع “منظمة إرهابية” بحسب توصيفها الرسمي.
غطاء سياسي لتجنب المسؤوليات
لكن القبول الظاهري الإسرائيلي بالخطة المصرية لا يخلو من حسابات انتقائية، وفقًا لزاده، الذي يرى أن: “هناك مؤشرات قوية تشير إلى أن إسرائيل قد تسعى لاستخدام الخطة المصرية كوسيلة لتفادي مسؤولياتها تجاه غزة دون تحمل تبعات عدوانها”.
ويتابع: “إسرائيل كقوة احتلال ملزمة قانونيًا بتأمين احتياجات السكان، لكنها تأمل أن يؤدي الدور المصري إلى تخفيف الضغط الدولي من دون أن تقدم تنازلات سياسية أو تُنهي حصارها المستمر”.
كما أن إسرائيل – بحسب التقدير ذاته – لا تزال متمسكة بالسيطرة الأمنية الكاملة على غزة، حتى لو تولّت مصر الجانب الإداري أو الإنساني.
تمثيل مغيّب وحل منقوص
واحدة من أبرز الإشكاليات في الموقف الإسرائيلي تكمن – كما يقول السفير زاده – في رفضها الشديد لأي تمثيل فلسطيني جاد في الترتيبات المستقبلية.
وأشار إلى أن:”أي حل لا يتضمن تمثيلا فلسطينيًا حقيقيًا، سواء عبر حماس أو السلطة، يفتقر إلى الشرعية ويُفرغ الخطة المصرية من مضمونها”.
ويؤكد أن الرهان على “رعاية عربية-مصرية” دون تمكين الإرادة الفلسطينية، يعزز من قبضة الاحتلال، ويحوّل المبادرات الإنسانية إلى أدوات لإدارة الصراع وليس حله، بل ويقوّض إمكانية العودة إلى مسار الدولتين.
كيف يمكن لمصر أن توظف هذا التحول؟
يرى السفير زاده أن التقدير الإسرائيلي، رغم خلفياته المصلحية، يفتح نافذة يمكن لمصر استغلالها للدفع نحو تسوية سياسية أوسع، موضحًا أنه يمكن لمصر أن تربط دورها الموسع في غزة بتقديم إسرائيل التزامات واضحة، مثل رفع الحصار، والانخراط في مفاوضات جادة حول إقامة دولة فلسطينية.
ويقترح أن تستخدم القاهرة التنسيق مع عواصم عربية فاعلة، كأبوظبي والدوحة، ودعمًا دوليًا متزايدًا؛ لبناء مظلة سياسية تحمي خطتها، وتفرض على تل أبيب التعامل مع الحل كمسار متكامل، لا مجرّد وسيلة لتفويض المهام.
كما يشدد على ضرورة إشراك الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس، في صياغة ترتيبات ما بعد الحرب، معتبرًا إشراك الفلسطينيين في الحل يمنح مصر شرعية مضاعفة، ويمنع اتهامها بأنها تلعب دور الوصي أو البديل.
ويختم بالقول إن التركيز المصري على إعادة الإعمار، خاصة مع الأرقام المتداولة عن خطة تتجاوز ٥٣ مليار دولار، يمكن أن يُستثمر سياسيًا عبر مطالبة المجتمع الدولي بربط المساعدات بالتزامات إسرائيلية حقيقية.