
تقرير: مروة محي الدين
في الحلقة السابقة فتحنا، في موقع اليوم، ملف عمل الشركات الأمريكية في مناطق الصراع، وكان عملها في غزة إرثًا ثقافيًا لعمل شركات أمنية كبرى، تجاوزت قيمتها السوقية بحلول عام 2025 عالميا 400 مليار دولار، وقوتها البشرية تجاوزت مليون مرتزق، وكأنها جيشنا عالميا موازيًا، لتصبح فاعلا جيوسياسيا عالميًا، تسقط حكومات وتسيطر على الموارد وتشكل حروبا.
الشركات الأمنية الأمريكية بغزة وارتكاب الإبادة بمنأى عن العقاب
وفي هذه الحلقة، نبحث أهم نماذج الشركات الأمنية، أو شركات الظل اللاعبة من وراء الكواليس، وأنشطتها ودورها في تغيير الخرائط السياسية، ونهب الثروات والموارد الطبيعية.
أبرز الشركات الأمنية
لعل أبرز الشركات الأمنية الفاعلة عالميا، هي شركة بلاك ووتر- Xe Services الأمريكية، التي تأسست عقب سنوات من انتهاء الحرب الباردة عام 1997)، على يد الضابط السابق في قوات البحرية الأمريكية “إريك برينز”، وبلغ حجم تمويلها 300 مليار دولار، من عقود حكومية أمريكية.
وكانت الشركة أهم اللاعبين في العراق، في أعقاب العدوان الأمريكي عليها عام 2003، حيث ادعت الولايات المتحدة عام 2004 انسحابها من العراق، لتترك يدها الخفية تلعب في البلاد وتشيع الفوضى فيها، لاسيما في مناطق الصراع الطائفي، بل وبلغ الأمر حد ارتكابها لمجازر في أصحاب البلاد، كان أشهرها مذبحة ساحة النسور في بغداد 2007.
قاعدة عسكرية سرية في #ليبيا متورطة في إقامتها #الإمارات ومؤسس شركة بلاك ووتر الأمريكية سيئة الصيت.. ماذا يفعلون ولمصلحة من؟ pic.twitter.com/F2VtFXCWYX
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 27, 2017
وفي عام 2014 في روسيا، أسس “يوجيني بريجوجين”- طاهي الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”- مجموعة فاجنر الأمنية، التي اعترف الكرملين مؤخرًا بتبعيتها للنظام الروسي، بعد محاولة مؤسسها تنفيذ انقلاب على الرئيس الروسي، تمكنت الحكومة من السيطرة عليه وإفشاله.
وتحركت منذ تأسيسها في الساحة العالمية مثل غول أمني، تموله قنوات غامضة عبر شركة كونكورد، وتعمل على تهريب الذهب من إفريقيا الوسطى، بما تصل قيمته 5 أطنان شهريًّا؛ وعقب تمرد “بريجوجين”، تم تغيير اسمها إلى مجموعة إفريقيا عام 2023، وكانت أبرز تحركاتها الدامية في مناطق الصراع في ليبيا، قبل أن تتردد أحاديث عن توقف عملها هناك وإعادة انتشارها في مناطق أخرى في إفريقيا.
ثم شركة سادات الدولية في تركيا، التي أسسها مستشار الرئيس التركي الجنرال “أدنان تانريفيردي”، عام 2012، وتمولها شبكة بنكية في قبرص والإمارات، وعرف عنها نشاطها في تهريب أسلحة إلى ليبيا وسوريا.
وأخيرًا الشركات الأمنية التابعة للاحتلال، مثل شركة مير سكيورتي، وتعمل على تصدير برامج مراقبة بقيمة 5 مليارات دولار سنويًّا، وتشغل 300 شركة أمنية في 70 دولة حول العالم، وقال الدكتور “محمد الألفي”- خبير الاقتصاد السياسي- عن نشاطها في حلقة الأمس: “إنها تجند مرتزقة من روسيا وأوكرانيا، ليقاتلوا في صفوف جيش الاحتلال، وتنفذ عمليات اغتيال واختطاف وتعذيب ضد المدنيين في غزة، منذ بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2023- حسب تقارير لمركز أبحاث (من يربح)”.
وذلك بخلاف شركات أخرى مثل: ساندلاين إنترناشيونال التي تأسست عام 1996، وتحول اسمها إلى لوجيكورب؛ وشركة ديجاكو؛ وشركة (RSF)؛ وشركة مورانو.
نهب الموارد وتشكيل الحكومات
سيطرت مجموعة من الشركات الأمنية على الثروات الطبيعية في إفريقيا، من المعادن والطاقة، وتمكنت من نهب ثروات الدول الإفريقية، وفي ذلك يقول “الألفي” في تصريحاته لموقع اليوم: “سيطرت فاجنر على 60% من مناجم الذهب والماس، في جمهورية إفريقيا الوسطى، عبر شركة وهمية باسم لوبايا، وكشف وثائق مسربة عام 2023، عن مسؤوليتها عن تهريب الذهب إلى الإمارات عبر بنوك هنجارية”.
وتابع: “وفي مالي، تمكنت فاجنر من الحصول على عقود حماية مناجم اليورانيوم الفرنسية، بمقابل 10.8 مليون دولار شهريًّا، كما سيطرت على النفط في ليبيا بقيمة 6.7 مليار دولار؛ كذلك سيطرت شركة (RSF) على مناجم الذهب في السودان، بقيمة تصل إلى 1.2 مليار دولار، وبالمثل فعلت شركة ديجاكو في موزمبيق، فسيطرت على الغاز الطبيعي بما تصل قيمته 4.3 مليار دولار”.
ولم تكتف تلك الشركات بالنهب الاقتصادي، بل راحت تعبث في مفاصل الدول، فحسب خبير الاقتصاد السياسي: “أضحت فاجنر- على سبيل المثال- تتحكم في وزارة الدفاع في إفريقيا الوسطى، مثل حكومة ظل، كما درّبت سادات التركية ميليشيات متناحرة في ليبيا، لخلق دويلات في الفترة من 2020-2024، كما دربت جماعات إرهابية في سوريا عام 2016، وكشفت وثائق باندورا عام 2024: عن تورط بلاك ووتر في تزوير انتخابات هندوراس عام 2021”.
استثمار ملطخ بالدماء
الشركات صاحبة الاستثمار الملياري، لتكمل سيطرتها على ثروات الدول الإفريقية، ارتكبت فيها مجازر دموية وجرائم ضد الإنسانية، حيث أحرق مرتزقة فاجنر 300 قرية فولانية، وقد صنفتها الأمم المتحدة جرائم تصل للإبادة الجماعية، فيما عرف بمذبحة موبتي بمالي عام 2023.
كذلك تمارس تلك الشركات الجريمة المنظمة، بدءًا بجرائم التجارة بالبشر، وعلى سبيل المثل تهرب شركة مورانو 5 آلاف امرأة سنويًّا من أوكرانيا إلى ليبيا، للعمل ضمن شبكات الدعارة؛ وتتحكم فاجنر في 70% من حركة تهريب الكوكايين من فنزويلا عبر غرب إفريقيا.
ويرى “الألفي” في تأثير لك الشركات على الأمن العالمي: أنها “تعمل على إضعاف القانون الدولي، حيث لا تخضع لاتفاقية مونترو- 2008، بما يسمح لها بالإفلات من العقاب، كما تسهل اندلاع صراعات جديدة بلا تكلفة سياسية للدول- حسب دراسة لأكاديمية جنيف عام 2025”.
وأضاف: “ومع تحولات المصالح، نقلت تلك الشركات مناطق تمركزها إلى أماكن أخرى، وعلى سبيل المثال: بسبب حرب الذهب انتقلت فاجنر من أوكرانيا للسودان؛ وللسيطرة على اليورانيوم انتقلت من سوريا إلى النيجر؛ وانتقلت بلاك ووتر من العراق إلى هايتي، عقب فراغ السلطة بعد الاغتيالات السياسية”.
مواجهة الشركات الأمنية
يصف “روبن فان دير لوخت”- الباحث في أكاديمية جنيف- تلك الشركات، فيقول: “هذه الكيانات تُعيدنا إلى عصر المرتزقة، ولكن بآلات تقتلع أسس النظام العالمي”؛ ومن هنا تبرز أهمية التصدي لتلك الكيانات، وفي هذا الصدد يقول “الألفي”: “إن مواجهة تلك الكيانات يتطلب إصلاح قانوني عاجل، بحيث يتم تطبيق نظام استعداد قدرات حفظ السلام- PCRS، التابع للأمم المتحدة لمراقبة تلك الشركات؛ وكذلك يتطلب مقاطعة اقتصادية، عبر تجميد أصول البنوك الممولة لها، مثل بنك روس جارانت في الإمارات”.