
أكد السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، أن ما يشهده قطاع غزة يمثل “كارثة إنسانية بكل المقاييس”، مشددًا على أن الصمت الدولي تجاه العدوان الإسرائيلي المتواصل “عار على المجتمع الدولي بأسره” ويجب أن يتوقف فورًا.
جاء ذلك في كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء الأربعاء، حيث دعا عبد الخالق الدول الأعضاء إلى مواصلة دعمها الثابت للحق الفلسطيني. وفي مقدمة ذلك إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف عبد الخالق أن منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بات ضرورة أخلاقية وقانونية وليس مجرد خيار سياسي. معتبراً أن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة.
مشيرًا إلى أن الفيتو الأخير جاء ليضرب بالالتزام عرض الحائط. ويسمح لإسرائيل باستمرار عدوانها الغاشم على المدنيين العزل في غزة.
ويتابع أن تكرار مثل هذه المواقف يؤكد بشكل قاطع صحة ما ذهبت إليه مصر والعديد من الدول الأعضاء. بشأن ضرورة إصلاح مجلس الأمن بشكل شامل. وفي مقدمة ذلك تصحيح العوار الخاص بمسألة الفيتو.
مصر تخوض معركة قانونية
أكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، أن مصر تخوض حاليًا واحدة من أهم المعارك القانونية على المستوى الدولي. عبر قيادتها لجهود إصلاح مجلس الأمن. الذي يعاني – منذ تأسيسه عام 1945 – من خلل هيكلي يكرس احتكار القوى الكبرى ويقوض مبادئ العدالة والمساواة الدولية.
وأوضح مهران أن الكلمة الأخيرة التي ألقتها مصر في الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن ضرورة إصلاح مجلس الأمن، تمثل منعطفًا محوريًا في تاريخ العلاقات الدولية. مشيرًا إلى أن القاهرة، بتوليها منصب المنسق المشارك في المفاوضات الحكومية الدولية لإصلاح المجلس. كما أصبحت في موقع ريادي لقيادة تحالف واسع من دول الجنوب الساعية لتحقيق تمثيل أكثر عدالة داخل منظومة الأمم المتحدة.
تهميش القارات النامية
وشدد الخبير الدولي على أن الأسس القانونية التي يستند إليها الموقف المصري راسخة وواضحة، بدءًا من نص المادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة. والتي تنص على ضرورة مراعاة التوزيع الجغرافي العادل ومساهمة الدول في حفظ السلم والأمن الدوليين عند تشكيل عضوية مجلس الأمن. وهو ما لا يتحقق في النظام الحالي، الذي يمنح خمسة أعضاء دائمين حق النقض “الفيتو”. بينما يتم تهميش القارات النامية، وعلى رأسها أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وأشار إلى أن مصر ترفع راية التغيير ليس فقط باسمها، بل باسم القارة الأفريقية بأكملها، التي تضم 54 دولة تمثل أكثر من ربع عدد أعضاء الجمعية العامة. ولكنها لا تحظى بأي تمثيل دائم في مجلس الأمن. وهو ما وصفه مهران بأنه “تمييز تاريخي صارخ يتناقض مع مبدأ المساواة السيادية المنصوص عليه في المادة الثانية من الميثاق”.
وأكد أن القاهرة تدعم بشكل كامل الموقف الأفريقي المطالب بمقعدين دائمين ومقعدين غير دائمين مع حق النقض للقارة السمراء. لافتًا إلى أن هذه المطالب لا تنبع فقط من اعتبارات سياسية. بل من ضرورة قانونية لإعادة التوازن لمنظومة الأمن الجماعي العالمي.
شلل مجلس الأمن
وحذر مهران من أن استمرار الوضع الحالي لمجلس الأمن يهدد بتآكل شرعية الأمم المتحدة ذاتها. مشيرًا إلى أن الشلل المتكرر للمجلس أمام أزمات كبرى – كما يحدث في فلسطين وسوريا وأوكرانيا – يعكس فشلًا بنيويًا يستوجب إصلاحًا جذريًا، لا ترقيعًا شكليًا.
كما شدد على أن حق النقض بصيغته الحالية يستخدم أداة للهيمنة أكثر من كونه وسيلة لحفظ السلم. موضحًا أن وجود دولة واحدة قادرة على عرقلة إرادة المجتمع الدولي بأسره يتعارض مع المبادئ المؤسسة للنظام الدولي الحديث.
وفي ختام تصريحاته، أكد مهران أن مصر تقود هذه المعركة بتأييد دولي واسع يشمل مجموعة العشرين الأفريقية. وتكتل بريكس، والعديد من القوى الصاعدة. مضيفًا أن نجاح القاهرة في هذا الملف سيعيد الاعتبار لفكرة العدالة الدولية، وسيعيد للأمم المتحدة مصداقيتها التي تآكلت بفعل الانحياز والشلل.
وقال: “المعركة القانونية التي تقودها مصر اليوم ليست لحساب دولة أو قارة فقط، بل من أجل كل الشعوب التي حرمت من صوتها داخل غرفة القرار الدولي، وهي معركة سترسم ملامح النظام العالمي في العقود القادمة”.