أخبار

ساحة الطيب: مركز روحي وتاريخي يجمع العائلة والأهالي منذ أكثر من قرن

 

أقيم اليوم عزاء السيدة سميحة محمد الطيب، شقيقة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في ساحة الطيب التاريخية بقرية القرنة، الواقعة غرب نيل مدينة الأقصر في جنوب صعيد مصر. ويأتي هذا العزاء وسط أجواء تجسد الأهمية الروحية والتراثية التي تحظى بها هذه الساحة لدى عائلة الطيب وأهالي المنطقة.

النشأة والتأسيس: إرث يمتد لأكثر من قرن

في عام 1900 ميلادية، أسس الشيخ أحمد الطيب الحساني، جد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ساحة الطيب لتكون مركزًا لتعليم العلوم الشرعية وتدريس القرآن الكريم.

جاءت هذه المبادرة من الحاج الشيخ أحمد الطيب في ظل غياب المؤسسات التعليمية الدينية في غرب الأقصر، فقرر إنشاء ساحة كبيرة تمتد على مساحة 5 قراريط، لتصبح مركزًا علميًا واجتماعيًا يخدم أهل القرية والمناطق المجاورة. وتضم الساحة عدة غرف خصصت لإلقاء دروس العلم، ولتعليم القرآن وتحفيظه، ولحل مشكلات الأهالي.

بنيت الساحة على طراز فريد، حيث قُسّمت إلى عدة ساحات، إحداها مخصصة للنساء تتألف من طابقين، الطابق الأول لحل المشاكل الاجتماعية والصلح بين الأهالي، والثاني مخصص للصلاة، ويشهد هذا القسم من الساحة حضورًا نسائيًا كبيرًا، حيث يرتاده ما يقرب من 500 سيدة كل يوم جمعة للصلاة والتزود بالعلم.

دور الساحة الاجتماعي والروحي

لم يقتصر دور “ساحة الطيب” على التعليم الديني، بل تجاوز ذلك ليصبح مركزًا لإقامة الأفراح والمآتم وعزاءات أهل القرية وأبناء العائلة. ومع مرور الزمن، أصبحت الساحة رمزًا للترابط الاجتماعي والروحاني، يقصدها الأهالي في مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية. كما تحولت الساحة إلى مزار روحي يقصده العديد من أبناء المحافظة والزائرين من خارجها، سواء كانوا من المصريين أو الأجانب، بما في ذلك كبار المسؤولين والوزراء من مختلف دول العالم.

يحرص الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، على المشاركة في بعض الدروس الدينية والندوات التي تُقام في الساحة خلال فترات إجازاته، حيث يلتقي بأهالي قريته ويشاركهم اللحظات الروحية. ويتولى شقيقه الشيخ محمد الطيب، الذي يعتبر من أبرز رجال الصلح في المنطقة، الإشراف اليومي على الساحة، حيث يحرص على تقديم الدعم والمشورة للأهالي في الأمور الاجتماعية والدينية.

شجرة العائلة: نسب طيب وصوفي عريق

تعود أصول الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب إلى أسرة صوفية ذات نسب هاشمي علوي شريف، يمتد نسبها إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما وبهذا النسب، يحمل الإمام الأكبر وعائلته مكانة دينية واجتماعية مرموقة في المجتمع المصري، خاصة في صعيد مصر، حيث تحظى هذه العائلة بتقدير واحترام كبيرين.

وفقًا لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فإن الشيخ محمد أحمد الطيب الحساني، والد الإمام الأكبر، كان من أبرز رجال الصلح في المنطقة، حيث قاد مجالس المصالحات والمحاكم العرفية في ساحة الطيب. وقد ورث الإمام الأكبر عن والده وجده حب العلم والتربية الروحية، إذ كان يتردد منذ صغره على مجالس العلماء ويتعلم أصول التربية والسلوك والحكمة في الساحة وكان يشارك في المصالحات التي يعقدها والده في الساحة، مما أسهم في تشكيل شخصيته القيادية ودوره في نشر تعاليم الإسلام الوسطي.

العائلة والأثر الثقافي والديني في المجتمع

بفضل المبادئ والقيم التي زرعها الشيخ أحمد الطيب الحساني في عائلته، أسهمت عائلة الطيب في ترسيخ قيم العلم والتسامح والصلح في المجتمع، خاصة في صعيد مصر. فقد لعبت “ساحة الطيب” دورًا جوهريًا في نشر هذه القيم بين أهالي المنطقة، حيث تشهد الساحة مجالس علمية تجمع علماء الدين وطلاب العلم من أنحاء صعيد مصر، يتناقشون ويتبادلون الآراء حول قضايا الدين والمجتمع، ما جعل الساحة مركزًا ثقافيًا وتعليميًا يساهم في تنمية الوعي الديني والاجتماعي.

وبالإضافة إلى دورها التعليمي، كانت “ساحة الطيب” مركزًا لنشر القيم الصوفية المعتدلة التي تجسد روح التسامح والاعتدال، التي يدعو إليها الإمام الأكبر شيخ الأزهر في خطبه ومحاضراته ،كما أن الساحة شهدت على مر السنين عددًا من المحاكم العرفية التي عقدتها العائلة لحل النزاعات بين أهالي القرية، مما أسهم في تقوية أواصر المحبة والتلاحم الاجتماعي بين الناس.

دور الإمام الأكبر في استمرار الإرث

منذ توليه مشيخة الأزهر الشريف، حافظ الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب على إرث عائلته في ساحة الطيب. ورغم مسؤولياته الجسام في الأزهر الشريف، يحرص الإمام على العودة إلى قريته والتفاعل مع أهلها، حيث يستمر في تنظيم بعض الفعاليات والدروس الدينية التي تثري الحياة الروحية للمجتمع المحلي ويعد ذلك استمرارًا للدور الذي قام به والده وجده من قبله في تعليم الناس وتوجيههم نحو الفضيلة والصلاح.

ساحة الطيب: رسالة خالدة للعلم والتواصل الروحي

“ساحة الطيب” ليست مجرد ساحة تاريخية أو مركزًا للتعليم الديني؛ بل هي رمز للعطاء والتلاحم الاجتماعي في قلب صعيد مصر وبتأسيسها، أراد الشيخ أحمد الطيب الحساني أن يقدم هدية لأهل قريته والأجيال القادمة، متخذًا من العلم والتربية والصلح طريقًا لنشر الخير والمحبةوتستمر هذه الساحة في لعب دورها كجسر يربط بين الماضي والحاضر، بين التراث الديني والروحي للعائلة، وبين قلوب الأهالي الباحثين عن العلم والنور.

تظل “ساحة الطيب” بهذا الدور المحوري، منصة تاريخية وأخلاقية تسهم في تعزيز الوعي الديني والاجتماعي في منطقة الأقصر، وتدعم رسالة الأزهر الشريف في نشر تعاليم الإسلام السمحة، وتؤكد على أهمية التواصل الروحي والتآخي بين الناس.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights