التراث منهج متجدد.. بناء الحاضر والمستقبل على أسس الماضي

لطالما كان التراث علامة بارزة في مسيرة الأمم ونهضتها، فهو الحاضن لهويتها ومصدر إلهامها للتقدم، لكن التعامل مع علوم التراث لا يمكن أن يكون عشوائيًا، فهو يتطلب منهجًا متزنًا يُراعي مستجدات العصر دون التخلي عن القيم الأساسية التي شكّلت الهوية الحضارية.
ويشدد الخبراء على أن علوم التراث ليست جميعها مناسبة للعصور الحالية، إذ إن بعضها كان ملائمًا لأزمنة سابقة ولم يعد يلبي متطلبات الحاضر، لكن ذلك لا يعني التخلي عنها كليًا، بل يدعو إلى مراجعتها واختيار ما يتماشى مع احتياجات العصر وتطويره وفق أسس علمية.
التجديد لا يعني الهدم
ويتطلب التجديد في التراث فكرًا متزنًا لا يُقيد نفسه برأي ثابت أو تقليد أعمى، ولا يهدف إلى هدم الماضي، بل يعمل على البناء عليه فالتطور الحقيقي للأمم يعتمد على فهمها العميق لماضيها وتاريخها، دون هذا الفهم، يصبح التقدم مجرد بناء هش لا جذور له.
ويتضح أن التجديد في الإسلام، بمفهومه العميق، يمثل منهجًا حضاريًا يوازن بين الثوابت والتغيرات.
التخصص مفتاح التجديد الصحيح
التعامل مع علوم التراث يحتاج إلى المتخصصين القادرين على التمييز بين ما هو قابل للتطبيق وما يجب مراجعته أو تطويره هؤلاء العلماء يدرسون التاريخ بمنهجية نقدية تتيح لهم استنباط الدروس وتكييفها مع الحاضر، دون المساس بجوهر التراث أو هويته.
ويؤكد الخبراء على أهمية ترك النقاشات المتخصصة للعلماء والمختصين، بعيدًا عن الجمود الفكري أو التحيز لرأي بعينه.
فالمستجدات تحتاج إلى اجتهاد مستمر، والفتاوى المتعلقة بالنوّازِل تتطلب بحثًا دقيقًا يراعي تغيُّر الزمان والمكان.
الوعي بالتراث شرط النهضة
ولا يمكن لأي أمة أن تحقق نهضتها دون فهم عميق لتراثها فالتراث ليس مجرد تركة تاريخية، بل هو عامل رئيسي في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات، من خلاله يمكن بناء قاعدة صلبة لتطوير العلوم والفكر، وهو ما يعزز رسالة الإسلام في التجديد والبناء.
مرصد الأزهر: دعوة لتحرير الوعي
في إطار رسالته لنشر الوعي وتصحيح المفاهيم، يدعو مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى فهم التراث بعمق، وعدم الانجرار وراء الجمود الفكري أو محاولات هدم الماضي بل يشدد المرصد على أهمية تحرير الوعي بالتراث ليكون أداة بناء وتطوير، وليس عائقًا أمام التقدم.
والتجديد الحقيقي، كما يؤكد المرصد، لا يتحقق إلا بفهم الماضي والعمل على تطويره بما يخدم الإنسانية والحضارة الإسلامية في الحاضر والمستقبل.