مجيد بودن لـ اليوم: سوريا لن تسمح بقمع الحريات وذلك ليس بمستحيل

قرابة 14 عامًا من الصراع في سوريا، أنهتها المعارضة السورية المسلحة التي تقودها “هيئة تحرير الشام” في بضعة أيام، ليظهر بعدها تعدد الفصائل المسلحة والجبهات، والاجتياح الإسرائيلي للمنطقة العازلة، وضرب الولايات المتحدة لعدة مناطق في سوريا، ما أثار التساؤلات حول الموقف القانوني للوضع السوري، لاسيما وضع فصائل المعارضة المسلحة.
موقف ملتبس يثير العديد من التساؤلات، شرحه وأجاب على أسئلته الدكتور “مجيد بودن”- المحامي المختص بالقانون الدولي ورئيس جمعية المحامين العرب في باريس- في حديث خاص لجريدة وموقع “اليوم”.
فتحدث في مطلع الحوار عن التوصيف القانوني لذلك الحراك الذي أطاح بنظام الرئيس السابق “بشار الأسد”، بالنظر إلى الإرث الذي تركه هذا النظام فقال: القانون الدولي يسمح للشعوب أن تقاوم الظلم أو الاحتلال أو الاعتداء على حقوقها بكل وسيلة يسمح بها القانون، وعائلة الأسد حكمت سوريا بعد انقلاب عسكري غير شرعي وغير قانوني، لكنها أمضت في الحكم أكثر من 50 عامًا، حطمت خلالهم مكونات المجتمع، وأتت على الحقوق الأساسية البسيطة للمواطن السوري بغض النظر عن أفكاره أو توجهاته السياسية.
واستطرد حديثه قائلًا: فإذا ما نظرنا لنتائج حكم “الأسد” نجدها: تشريد أكثر من ستة مليون مواطن، وقتل الآلاف، وتعذيب الآلاف أيضًا، وعليه فقد هذا النظام شرعيته، بسبب مخالفة أعماله للقانون الدولي، فقد جرمت المنظومة الدولية نظام “الأسد” منذ بداية استخدامه للأسلحة المحرمة في قتل المدنيين العزل، ومحكمة الجنايات الدولية تطلب مثول “الأسد” أمامها، ومن ثم يرفض القانون الدولي استمرار نظام يجرم في حق شعبه مثل هذا النظام، حيث إنه وفقًا للقانون الدولي تقع على الحاكم مسؤولية حماية شعبه، وليس سلب حقوقهم وقتلهم وتشريدهم.
إذن ما المسموح من واقع القانون الدولي للتحرر من نظام “الأسد”؟
يسمح القانون الدولي باستخدام كافة الوسائل للدفاع عن الحريات والحقوق المسلوبة، حتى إن فكرة حمل السلاح مجازة في بعض البلاد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن في الوقت نفسه صنف القانون الدولي الجماعات الإسلامية مثل: داعش، والقاعدة، وجبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام بأنها إرهابية، حيث وجهت أعمالها العنيفة ضد المدنيين، وفرضت نظامهم السياسي وتوجههم الفكري بقوة السلاح، ومعظم دول العالم تتبنى رؤية القانون الدولي، ولهذا السبب دعمت بعض الدول نظام “الأسد”، لأنه يواجه تلك الجماعات.
وكان يفترض أن يقدم هذا النظام بعض الإصلاحات السياسية والاجتماعية والثقافية، وإعطاء الشعب حقوقه السياسية والاجتماعية، منعًا لوصول تلك الجماعات إلى سدة الحكم، لكنه على العكس انفرد بالحكم وقوض البناء المؤسسي في سوريا فانتشر الفساد، وأصبحت المؤسسات تعمل لصالح فرد واحد، فتفكك المجتمع وانقسمت سوريا لعدة مناطق، كل منطقة يحكمها فصيل كأنها دويلة مستقلة، ما تسبب في تشريد ملايين السوريين، بين أوروبا وأمريكا ومصر والخليج ودول أخرى، وبناءً على ذلك تحرك المجتمع الدولي ضد النظام.
دبلوماسية المقايضات
الإشارة لتحرك المجتمع الدولي ضد نظام “الأسد”، إكمال لصورة تحتاج للإيضاح حول الكيفية التي تحرك بها المجتمع الدولي ضد النظام، وهل كل لهذا التحرك فاعلية في حسم الموقف المعلق منذ قرابة عقد ونصف؟
أجاب “بودن” عن ذلك السؤال فقال: تحرك المجتمع الدولي باتفاق سياسي رأيناه في مؤتمر الدوحة بين تركيا وروسيا وإيران، فإذا عدنا بالتاريخ قليلًا نجد أن جامعة الدول العربية أرادت استقطاب نظام “الأسد”، فطالبته ببعض الإصلاحات السياسية، وتأمين عودة اللاجئين دون تعرضهم للملاحقة، فوعد بذلك دون أن ينفذ، حيث جعله الدعم الإيراني الروسي يتمادى في سياساته السابقة، لذا كان التحرك الدولي لرفع الحماية الروسية الإيرانية، وفعليًا رفعت تلك الدول لاسيما روسيا حمايتها عنه، حيث إن لها مصالح مع المجتمع الدولي لتسوية موضوع الحرب في أوكرانيا.
كيف رفعت روسيا الحماية عن نظام بشار ولها قاعدتين عسكريتين كبيرتين في سوريا تريد حمايتهما؟
ثمة مشاورات بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وروسيا وتركيا من جهة أخرى، حيث ترغب روسيا في الحفاظ على قاعدتيها العسكريتين في سوريا، إحداهما بحرية في ميناء طرطوس والأخرى جوية في مطار حميميم باللاذقية، ومن هنا أخذت وعد بالحفاظ على هاتين القاعدتين، مقابل رفع الحماية عن “الأسد”، لكن ذلك ليس أمرًا ثابتا في ظل الدبلوماسية التي يعيشها العالم الآن، وهي دبلوماسية المقايضات والمبادلات، فروسيا تريد الخروج من مأزق أوكرانيا، وفي المقابل تتم إعادة تقسيم خريطة الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا ولبنان وفلسطين، ونحن نرى اليوم إسرائيل احتلت المنطقة العازلة بعد الجولان، والجولان نفسها أرض سورية لكنها محتلة منذ سنوات، وتقدمت بعد ذلك إلى ما بعد الخط الفاصل المحدد في اتفاقية 1974 وأعلنت احتلالها.
لكن نتنياهو قفز على هذه الاتفاقية، وأعلن انتهاء العمل بها بعد سقوط “الأسد”، وبناء على ذلك ترى الحكومة الإسرائيلية أنها لم تنقض اتفاق، لأنه أضحى غير موجود…! فهل هذا الموقف يتفق مع القانون الدولي؟
ذلك أمر غير صحيح، لأن اتفاقية 1974 اتفاقية دولية، وطبيعة تلك الاتفاقيات أنها مستمرة باستمرار الدولة، والدولة السورية قائمة ومستمرة ولم تسقط بسقوط “الأسد”، وفي القانون الدولي هناك مبدأ “استمرارية الدولة”، ومن هنا فذلك ينفي كلام نتنياهو، ويجعل حديثه مجرد مناورات سياسية.
المعارضة المسلحة
كانت الولايات المتحدة تعد “أحمد الشرع”- الذي يقود عمليات هيئة تحرير الشام حاليًا- إرهابيا مطلوبًا لديها، وبالمثل كانت نظرتها ونظرة المجتمع الدولي من ورائها للجماعة التي يقودها، ثم تحول ذلك الموقف بشكل درامي، حيث فرضت تلك الجماعة كلمتها، وظهر قائدها واحدًا من نجوم هذا الحراك، وظهرت تصريحات تنبئ باحتمال شطب اسميهما من قوائم الإرهاب، لذا سألنا “بودن” هل يغير المجتمع الدولي نظرته ومن ثم تصنيفه “للشرع”؟
هذا يتوقف على ما ارتكب من أفعال، فإن كان قد ارتكب أو أمر بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يمكن ملاحقته، حيث تشمل سلسلة القيادة في القانون الدولي الذي أصدر أمرًا بها والذي ارتكبها والذي نفذها، و يتوقف القضاء الجزائي على وقوع الجريمة، وبالتالي لا يفلت مرتكب من العقاب، وعلى جانب آخر إن لم يكن قد ارتكب تلك الجرائم أو شارك فيها، وقامت سياساته على التفاهم مع القوى السورية الأخرى وإشراكها في الحكم، قد يتم التراجع وتغيير وضعه الحالي.
وماذا عن شطب هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب هل ينظر لها بالمثل؟
نعم يتم النظر في أمرها بنفس الكيفية، والفيصل هو تيسيير انتقال الحكم إلى سلطة مدنية، ورد الحقوق لأصحابها، أي أن خطواتها القادمة هي ما سيؤثر على قرار شطبها من قوائم الإرهاب أم لا، بيد أن ذلك لا يمنع أن المحاسبة على الجرائم ستكون موجودة، وبالطبع هي محاسبة ستضع في ميزانها خطوات تلك الإدارة الجديدة ومدى احترامها لحقوق الناس ومشاركة الفصائل الأخرى .
في نهاية الحديث ومن منظور أستاذ قانون دولي، كيف ترى مستقبل سوريا الآن في ظل كل المتغيرات المحيطة؟
سقوط “الأسد” في سوريا، وكشف النقاب عن جرائم بشعة من بينهما الإخفاء القسري لأشخاص لم يرتكبوا جرائم سوى المطالبة بحقوق بسيطة، هو حدث كبير، أهم ما يجب فيه الحفاظ على ألا تتفكك سوريا، أو تندلع فيها حرب أهلية مبنية على الطائفية، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، ومنع الجماعات المتطرفة من فرض أنظمة ديكتاتورية على شعبها، تلك يجب أن تكون أهداف المرحلة القادمة.
وتابع مختتمًا حديثه بنظرة متفائلة فقال: في اعتقادي أن ما حدث في سوريا على طول العقود الماضية، لن يسمح بوجود أنظمة تقمع الحريات وتمارس العنف وتفرض هيمنة قومية أو دينية على الشعب، بل هناك توجه لوجود نظام يحترم الحقوق والحريات في سوريا، وهو أمر على صعوبته ليس بمستحيل.
تعليق واحد