الأزهر الشريف، بكونه أقدم مؤسسة دينية تعليمية في العالم الإسلامي، حافظ على دوره المحوري في التعامل مع الأديان الأخرى عبر رؤية متوازنة تُبرز التعاليم السمحة للإسلام.
منذ تأسيسه قبل أكثر من ألف عام، تبنى الأزهر خطابًا يعكس روح الإسلام القائمة على السلام والعدل، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي مرت بها العلاقات بين الأديان عبر العصور.
في القرون الأولى، كانت مواقف الأزهر تجاه الأديان الأخرى تُبنى على أسس فقهية تنظم العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب، وفق الظروف الاجتماعية والسياسية السائدة آنذاك.
مع ظهور تحديات العصر الحديث، أصبح الأزهر أكثر انفتاحًا، حيث أدرك أهمية التكيف مع التحولات العالمية لتعزيز التعايش في المجتمعات المتعددة الأديان.
شيخ الأزهر الحالي، الإمام الأكبر أحمد الطيب، قاد جهودًا ملحوظة في هذا الاتجاه، حيث شدد على أن التعايش بين الأديان ضرورة إنسانية واجتماعية، وليس خيارًا فرديًا، مستشهدًا بآيات قرآنية مثل: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”.
سياسات الأزهر المعاصرة: من الحوارات الفقهية إلى المبادرات العملية
تحولت سياسات الأزهر في القرن الحادي والعشرين من حوارات نظرية حول التعايش إلى تطبيقات عملية تسعى لتعزيز التسامح وقبول الآخر. ومن أبرز تلك السياسات:
1. إصدار وثيقة الأخوة الإنسانية
في عام 2019، أطلق الأزهر، بالتعاون مع الفاتيكان، وثيقة “الأخوة الإنسانية”، التي مثلت نقطة تحول في العلاقات الإسلامية-المسيحية تناولت الوثيقة قضايا أساسية مثل حقوق الإنسان، التسامح، ونبذ العنف، وأكدت على أن الأديان يجب أن تكون أدوات للتقريب بين البشر.
2. دعم القوانين المناهضة للتمييز
ساهم الأزهر في دعم قوانين تضمن حقوق الأقليات الدينية، خاصة في الدول الإسلامية، من خلال التشجيع على إصدار تشريعات تعزز قيم المواطنة والمساواة.
3. تحديث الخطاب الديني
ركز الأزهر في السنوات الأخيرة على تحديث الخطاب الديني لمواجهة الأفكار المغلوطة التي تستغل الدين لإثارة الفتن ومن خلال برامجه التدريبية، يؤهل الأزهر الدعاة والأئمة لنشر رسائل الاعتدال والتسامح.
الأزهر في الساحة الدولية: سفراء الحوار والتسامح
المشاركة في المؤتمرات العالمية
يشارك الأزهر بانتظام في المؤتمرات العالمية المعنية بحوار الأديان، مثل “مؤتمر السلام العالمي” و”منتدى تعزيز السلم”، حيث يلقي ممثلو الأزهر خطابات تؤكد أهمية بناء جسور التواصل بين الشعوب.
كما تركز تلك المشاركات على تعزيز التعاون بين الأديان لمواجهة التحديات المشتركة، مثل التطرف الديني، التغير المناخي، والفقر.
تبادل الوفود الدينية
عمل الأزهر على تبادل الوفود مع المؤسسات الدينية الأخرى، مثل الكنائس الكبرى، لتعزيز الحوار وتعميق التفاهم ويستضيف الأزهر سنويًا شخصيات دينية من مختلف الأديان لمناقشة قضايا مشتركة، في إطار مبادراته لتعزيز العلاقات الإنسانية.
إنشاء مراكز ثقافية ودينية
قام الأزهر بإنشاء مراكز ثقافية ودينية في العديد من الدول، تهدف إلى نشر قيم التسامح والتعايش، بالإضافة إلى توفير برامج تعليمية تبرز الصورة الحقيقية للإسلام كدين يدعو للسلام.
الأزهر في مواجهة التطرف: تفنيد الخطاب المتشدد
أسس الأزهر مرصدًا عالميًا لرصد وتحليل خطابات الجماعات المتطرفة يعمل المرصد على تفنيد الروايات المتشددة التي تسيء فهم النصوص الإسلامية، ويصدر تقارير ودراسات تهدف إلى مواجهة تلك الأفكار.
من خلال منصاته الرقمية، ينشر المرصد رسائل توعوية موجهة للشباب، تبرز أن الإسلام يدعو إلى الرحمة والسلام، وليس العنف أو الكراهية.
مبادرات التثقيف الديني
أطلق الأزهر مبادرات تثقيفية تستهدف الشباب، تركّز على تقديم تفسير صحيح للتعاليم الإسلامية، مع التأكيد على أن الإسلام يحث على احترام الآخر، بغض النظر عن الدين أو العرق.
دورات تدريبية للأئمة والقساوسة
في خطوة رائدة، نظم الأزهر برامج تدريبية مشتركة تجمع بين الأئمة والقساوسة، بهدف تعزيز التفاهم بين القيادات الدينية تلك البرامج تركز على بناء خطاب مشترك يدعو إلى السلام، ويواجه التطرف من أي طرف.
رؤية الأزهر المستقبلية: نحو عالم أكثر تسامحًا
يطمح الأزهر إلى تعزيز دوره كمنارة عالمية لنشر قيم التسامح والسلام. ومن بين الخطط المستقبلية:
تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة
يعمل الأزهر على تعميق شراكته مع الأمم المتحدة، بهدف دعم مبادراتها المتعلقة بحوار الثقافات ومكافحة التطرف.
توسيع مبادرات الحوار بين الشباب
يدرك الأزهر أن الشباب يمثلون المستقبل، ولهذا يسعى إلى إطلاق برامج دولية تجمع شبابًا من مختلف الديانات والثقافات، لتعزيز التفاهم المتبادل بينهم.
