قناة بنما تفجر الصراع بين أمريكا وكثير من دول العالم

هدد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب اليوم الثلاثاء باستعادة السيطرة على قناة بنما إذا لم تخفف الحكومة البنمية الرسوم المفروضة على السفن الأمريكية التي تعبر القناة، وإذا لم تبعد الصين عن محاولة فرض سيطرتها عليها.
حيث صرح اليوم أنه سيتم استخدام القوة العسكرية، للسيطرة على قناة بنما، أو غريلاند القريبة من الحدود الأمريكية، والمليئة بالثروات الطبيعية.
ورفض ترامب استبعاد القيام بتحرك عسكري بشأن قناة بنما وغرينلاند اللتين يرى بأن على الولايات المتحدة السيطرة عليهما حيث صرح للصحفيين : “يمكنني أن أقول ذلك، نحتاج إليهما من أجل الأمن الاقتصادي”، وأضاف: “لن أعلن التزامي بعدم القيام بتحرك عسكري، قد تضطر للقيام بأمر ما”.
وأثار ترامب الجدل بعد أن تعهد بالسيطرة على قناة بنما، وألمح إلى ضرورة امتلاك غرينلاند والسيطرة عليها أيضا لأغراض الأمن القومي والحرية في العالم، وحفظ مصالح واشنطن.
وسبق أن صرح أيضا سابقا في عدة مناسبات أنه يريد استعادة قناة بنما التي حفرتها الولايات المتحدة وافتتحتها عام 1914، إذا لم يتم تخفيض أسعار رسوم مرور السفن الأميركية، فقد صرح قبل عيد الميلاد مباشرة، وأعلن أنه لأغراض الأمن القومي والحرّية في العالم، تشعر الولايات المتحدة الأميركية أن امتلاك غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة.
وأعاد كلام ترامب التذكير بتصريحات أدلى بها عام 2019 خلال ولايته الأولى بشأن قيام الولايات المتحدة بشراء هذا الإقليم الغني بالمواد الطبيعية، التابع للدنمارك والواقع في الدائرة القطبية الشمالية، متحدثاً عن صفقة عقارية كبيرة ذات أهمية استراتيجية، وأثارت التصريحات حينذاك، أزمة دبلوماسية مع الدنمارك العضو في حلف شمال الأطلسي “ناتو”.
فتعتبر بنما قناة خاضعة لسيطرة دولة بنما بشكل كامل، فيما تعتبر غرينلاند إقليم محكوم ذاتيا يتبع الدنمارك، و كان كلام ترامب عن بنما بلغة فرض السيطرة.
وأدلى ترامب بهذا التهديد للعديد من الأسباب أولا: الرسوم غير العادلة المفروضة على السفن الأمريكية التي تمر في قناة بنما، حيث قال مؤخراً في تجمع شعبي في أريزونا: “الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، إنها غير منصفة، لابد أن يتوقف هذا النهب لبلادنا فوراً” ، ثانيا: نفوذ الصين المتنامي حول القناة التي تعد طريق ملاحة رئيسي للشركات والمصالح الأمريكية بين المحيطين الأطلسي والهادئ، حيث صرح إنه لن يسمح بوقوع قناة بنما في الأيدي الخطأ – في إشارة للصين – وأن امتلاك غرينلاند ضرورة مطلقة.
وكما كان الحال خلال الحرب الباردة، تقع قناة بنما اليوم في خطوط المواجهة لصراع القوى العظمى، وهذه المرة بين الولايات المتحدة و الصين.
فبينما كانت واشنطن غارقة في حربين مستمرتين في أفغانستان والعراق، استحوذت شركة مقرها هونج كونج على اثنين من أهم خمسة موانئ في بنما، وهي الآن بصدد بناء ميناء عميق و محطة رحلات بحرية و جسر رابع عبر القناة.
وكما هو الحال في أفريقيا وجنوب المحيط الهادئ تستخدم الصين مثل هذه البنية التحتية للحصول على سيطرة اقتصادية وسياسية قسرية، كما تجسد ذلك في حملتها للضغط على بنما لإيقاف اعترافها بتايوان في عام 2017، وسيكون من الغفلة القصوى الافتراض أن اهتمام بكين ببنما والقناة ليس له علاقة بالأهمية الاستراتيجية لهذا الممر المائي بالنسبة للدفاع الوطني الأمريكي.
وبالرغم أن السيطرة على القناة انتقلت إلى بنما منذ عقود، فإن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تعيد السيطرة على هذه القناة، نظرا لأهميتها الاستراتيجية في الأمن القومي الأمريكي.
ويقول ألكسندر جراي -الذي شغل منصب نائب مساعد للرئيس وكبير الموظفين في مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض في الفترة من 2019 إلى 2021- في تقرير لمجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إن ترامب أعرب عن حزنه لأن الولايات المتحدة تخلت عن السيطرة على قناة بنما لصالح بنما في عهد إدارة الرئيس جيمي كارتر.
وتعكس تصريحات ترامب الأخيرة نفس الموقف الذي تبناه ريجان- المنافس للرئيس الراحل جيمي كارتر في انتخابات 1980 – خلال مناظرة عام 1978 بشأن التصديق على معاهدات توريخوس-كارتر، التي أنهت السيادة الأمريكية على القناة ، حيث أكد ريجان، الذي كان يستعد لمنافسة جيمي إنه ضد ذلك، محذرا من التنازل عن القناة.
وكما سخر العديد من الخبراء من معارضة ريجان للتخلي عن القناة في ذلك الوقت قوبلت تعليقات ترامب التي تشير إلى إمكانية استعادة الولايات المتحدة للقناة بهجوم متوقع من مراكز الأبحاث في واشنطن وحتى أبواق الدعاية التابعة للحزب الشيوعي الصيني.
ومع ذلك، أدرك ريجان، مثل ترامب، أن المصلحة الأمريكية في القناة تتجاوز العلاقات الأمريكية مع البنميين ، حيث تلعب قناة بنما اليوم دورا عسكريا حيويا للولايات المتحدة، وهو ما يبرر رغبة أمريكا في استمرار رغبتها بالسيطرة عليها.
بالإضاقة إلى ذلك وجد ريجان أن السيطرة الأمريكية على القناة مرتبطة ارتباطا مباشرا بنفوذ الولايات المتحدة على الساحة العالمية و جدية الطريقة التي تُؤخذ بها كلمات واشنطن في العواصم الأجنبية، ويبدو أن ترامب يرى أيضا أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير ومواجهة تأثيرات الأعداء على القناة ، تعد حالة اختبار لقوة واشنطن العالمية.
ردود الأفعال الدولية :
وردا على تصريحات ترامب قال رئيس بنما، خوسيه راوول مولينو إنه لا يوجد أي قوى تسيطر علي القناة، وأكد أن كل متر من القناة والمناطق التابعة لها هو ملك لبنما وسيادتها وهذا أمر غير قابل للتفاوض.
كما أكدت غرينلاند بأنها ليست للبيع حيث صرح رئيس وزراء غرينلاند، موتي إيغيدي: “الجزيرة ليست للبيع ولن نتخلّى عن نضالنا الطويل من أجل الحرّية”.
وصرحت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم أن قناة بنما ملك للبنميين، ولكن لا يبدو أن العالم بانتظار سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية بالقوة على بنما، وربما يحاول ترامب من وراء تصريحاته الحصول على رسوم عبور تفضيلية وتطمينات من بنما بأن الصين لا تسيطر على القناة.
تاريخ قناة بنما :
تعد قناة بنما إحدى البنى التحتية الأكثر أهمية في العالم، فهي تربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، مما يجعلها شريانا حيويا للتجارة العالمية.
فكانت بداية إنشاؤها عندما بدأ المستعمرون الإسبان بدراسة إنشاء قناة في ثلاثينيات القرن السادس عشر. ولكن لم يحدث ذلك إلا في 1878 عندما وقعت كولومبيا، التي كانت تعتبر بنما مقاطعة تابعة لها آنذاك، اتفاقية امتياز مع مهندسين فرنسيين.
ولم تنجح الجهود الفرنسية وأفلست الشركة التي تأسست لغرض إنشاء قناة عبر بنما في 1899، بعد أن فقد نحو 22 ألف عامل حياتهم في المشروع، وكثير منهم بسبب الأمراض والحوادث.
وفي عام 1902 م اشترت أمريكا حقوق قناة بنما من الفرنسيين، وفي عام 1903م قام وزير الخارجية الأمريكية جون هاي، ووزير الخارجية الكولومبي توماس هيران بتوثيق معاهدة “هاي هيران”،
وسعت الولايات المتحدة في 1903 إلى الحصول من كولومبيا على امتياز دائم للقناة. غير أن كولومبيا رفضت الاقتراح. وردا على ذلك، دعمت الولايات المتحدة استقلال بنما، الذي أُعلن في العام نفسه ثم بعد ثلاثة أيام، وقع سفير بنما في واشنطن اتفاقية جديدة باسم “هاي بوناو فاريلا”، والتي قامت بمنح الحكومة الأمريكية حق بناء القناة وإدارتها لأجل غير مسمى.
ودفعت الولايات المتحدة لبنما 10 ملايين دولار ثم 250 ألف دولار سنويا مقابل تلك الحقوق ، وشُيدت قناة بنما باستخدام عمال من منطقة الكاريبي وبنميين من أصل أفريقي، وافتُتحت القناة أخيرا في 1914 بعد أن لقى أكثر من خمسة آلاف عامل حتفهم في أعمال الإنشاءات ، وبذلك خضعت منطقة القناة للولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية بين البلدين.
وفي عام 1999 وقع الرئيس جيمي كارتر معاهدة مع الزعيم العسكري البنمي عمر توريخوس حيث منحت المعاهدة بنما سيطرة حرة على القناة وضمنت الحياد الدائم للممر المائي ، و استعادت جمهورية بنما سيادتها على القناة بعد إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لها 85 عاماً.
وخلال القرن العشرين، تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وبنما وسط احتجاجات متزايدة على سيطرة واشنطن على القناة، ولا سيما بعد أزمة قناة السويس في 1956.
وتكتسب قناة بنما أهمية اقتصادية كبيرة بالنسبة لأمريكا حيث أنها تربط القناة بين المحيطين الهادي والأطلسي، ما يوفر للسفن آلاف الأميال والسفر لأسابيع حول الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية، والرحلة التي تقطعها السفن المتجهة من لوس انجلوس إلى نيويورك عبر القناة أقصر بنحو ثمانية آلاف ميل (أو ما يعادل 22 يوما) مقارنة بالسفر عبر مضيق ماجلان.
تعليق واحد