ذاكرة اليوم.. الشيخ محمد ثابت الوزير يتحدث عن معاني الصبر في رحلة النبوة

تقدم لكم جريدة وموقع “اليوم” عرضًا تفصيليًا لإحدى أعظم المراحل في تاريخ البشرية، رحلة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى تكريمه الإلهي بمعجزة الإسراء والمعراج.
نستعرض معكم مشاهد الدعوة السرية والجهرية، وما واجهه النبي الكريم وأصحابه من اضطهاد ومعاناة، وكيف صبروا حتى أضاء نور الإسلام أرجاء العالم.
ويشاركنا الشيخ محمد ثابت الوزير، عضو لجنة الفتوى السابق بالأزهر الشريف، رؤيته حول معاني هذه الرحلة والدروس المستفادة منها في حياتنا اليوم.

رحلة النبوة من البداية
رسول الله صلى الله عليه وسلم.. رحلة النبوة من الدعوة السرية إلى الإسراء والمعراج
بسم الله الرحمن الرحيم “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا” (الأحزاب: 45-46). بهذه الكلمات القرآنية العظيمة، بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رحلته العظيمة في الدعوة إلى الله، رحلة واجه فيها أشد أنواع العداء والصعوبات، لكنها توّجت بمعجزات كبرى وأحداث خالدة غيّرت مجرى التاريخ.
الدعوة السرية.. البداية الحكيمة
عندما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ الدعوة سرًا لمدة ثلاث سنوات، ملتزمًا بالحكمة والروية. ولكن حين نزل قول الله تعالى: “وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ” (الشعراء: 214)، دعا النبي عشيرته من بني هاشم وبني المطلب، فكانوا نحو خمسة وأربعين رجلًا.
خطب فيهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً:
“الحمد لله، أحمده وأستعينه… والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبدًا أو النار أبدًا.”
كان موقف عمه أبو طالب مشجعًا، حيث وعد بحماية النبي، رغم أنه لم يؤمن بما جاء به.
الدعوة الجهرية.. بداية المواجهة
امتثالًا لقول الله تعالى: “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ” (الحجر: 94)، صعد النبي صلى الله عليه وسلم جبل الصفا، ونادى قبائل قريش، مخاطبًا إياهم بالحكمة والصراحة.
وعندما أخبرهم بأنه نذير لهم من عذاب شديد، صدقه الجميع لعلمهم بصدقه وأمانته، لكن أبا لهب واجهه بالسوء قائلاً: “تبًا لك ألهذا جمعتنا؟”، فأنزل الله: “تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ” (المسد: 1).
أشكال العداء لقريش
بدأت قريش حربها على الدعوة الإسلامية بأساليب متعددة، منها:
1. السخرية والتكذيب: وصفوه بالسحر والجنون كما جاء في قوله تعالى: “إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ” (الحجر: 6).
2. التعذيب الجسدي والنفسي:
بلال بن رباح: كان يُعذَّب بالصحراء ويُلقى عليه الصخر، لكنه ظل يقول: “أحد، أحد.”
آل ياسر: عُذبوا حتى استشهد ياسر وسُمية، وكانت أول شهيدة في الإسلام.
مصعب بن عمير: جُرد من ماله ونعيمه وعاش في فقر شديد.
مفاوضات قريش ومحاولات الإغراء
حاولت قريش التفاوض مع أبي طالب ليمنع النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته، وعرضوا عليه المال والجاه، لكنه رفض بشدة. حتى أنهم قدموا له عمارة بن الوليد مقابل أن يسلمهم النبي، فقال: “والله لبئس ما تساومونني، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟”
الإيذاء الشخصي للنبي
استهدفت قريش النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فطلق أبو لهب ابنتيه من ولديه، وحرضت زوجته أم جميل الناس على إيذائه، لكنها لم تتمكن من رؤيته عندما جاءت لتؤذيه بفضل حماية الله له.
الطائف.. الأمل الذي لم يتحقق
عندما اشتد الأذى، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام، لكنهم قابلوه بالعداء الشديد، حتى رجع منهكًا، واستند إلى حائط بستان، ودعا الله بدعاء مؤثر:
“اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي…”
الإسراء والمعراج.. تكريم إلهي للنبي
بعد كل هذا العناء، جاءت رحلة الإسراء والمعراج تكريمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السماوات العلا. كانت الرحلة إعلانًا إلهيًا عن مكانة النبي ورفعة شأنه.
الدعوة مستمرة رغم كل شيء
لم يتوقف النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعوة رغم كل التحديات. وظل يتلو آيات الله ويؤدي عباداته أمام أعين قريش، وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، رغم كل محاولات قريش لإيقاف الدعوة.
ختامًا
كانت رحلة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة مليئة بالصبر والتحديات، لكنها انتهت بنصر مؤزر، وترك إرثًا خالدًا للبشرية.
نسأل الله أن يحشرنا في زمرته، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء.