
في صباح يوم الاثنين، وبعد 15 شهرًا من النزوح القسري، بدأ مئات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة رحلة العودة إلى منازلهم عبر شارع الرشيد الساحلي؛ إذ كان المشهد أشبه بسيل بشري متدفق، يحمل معه آمالاً جديدة بعد شهور طويلة من المعاناة، فهذا الحدث التاريخي جاء بعد توصل حركة حماس وإسرائيل إلى تفاهمات جديدة برعاية الوسطاء “مصر – قطر”، مما فتح الباب أمام عودة النازحين إلى ديارهم.
كان الجو مشحوناً بالعواطف، حيث عبَّر الفلسطينيون العائدون عن فرحتهم برفع شارات النصر والتكبير. ترددت أصوات التكبيرات في الأجواء، وامتلأت القلوب بالحمد والثبات وحب البلاد. قال أحد العائدين وهو يرفع علم فلسطين: “ما حدا بحب غزة غيرنا، أخيراً رجعنا على بيوتنا”. بينما حمل آخر لافتة كُتب عليها بخط عريض: “همرنا لأجل هذه اللحظة”، تعبيراً عن الصبر الطويل الذي تحمله الشعب الفلسطيني من أجل العودة.
عبر ناشطون فلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن مشاهد مؤثرة لتدفق أفواج النازحين إلى شمال قطاع غزة، كانت التكبيرات تعلو، والوجوه تشرق بالفرح رغم ما تحمله من آثار المعاناة. قال أحد العائدين وهو يمسك بيد طفله الصغير: “رغم إني فقدت عدد كبير من عائلتي إلا أنني سعيد جداً بالعودة، لا شيء مثل حُب البلاد”. بينما وقفت سيدة عجوز تمسك بحفنة من تراب غزة، وقالت بلهفة: “بيوتنا راحت واتدمرت، لكن ما في مثل تراب غزة. الحمدلله إنه جاء هذا اليوم”.
كان صباح ذلك اليوم المنتظر قد طال انتظاره، حيث توافد النازحون أفواجاً، كيوم الحج الأعظم، مُلبِّين مُكبرين، لكن الوُجهة هذه المرة كانت إلى شمال القطاع. كانت الطرقات مزدحمة بالعائلات التي تحمل أمتعة بسيطة، وبعضها لا يحمل سوى الذكريات والأمل في إعادة بناء ما دمرته الحرب.
رُصدت بهجة النازحين وهم يسيرون باتجاه مدينة غزة، حيث كان أهلها ينتظرونهم بقلوب عامرة بالحب والثبات. التأم شِقِّي القطاع بعد عام ثقيل من النزوح، حيث كانت الطواقم الطبية وطواقم الدفاع المدني في جنوب غرب مدينة غزة في انتظار العائدين، لتقديم المساعدة والاطمئنان على سلامتهم.
على طول الطريق، كانت عناصر المقاومة الفلسطينية تقف إلى جانب العائلات العائدة، في مشهد يعكس التلاحم بين الشعب والمقاومة. كانت الجداريات التي خُطَّت على الجدران تحمل رسائل الترحيب والأمل: “غزة ترحب بكم”، “البلاد طلبت أهلها”، “غزة نورت بأهلها”، “الحمدلله على سلامتكم”.
فرغم الدمار الذي خلفته الحرب، إلا أن الروح المعنوية كانت عالية، كانت العودة إلى غزة أكثر من مجرد عودة إلى المنازل، بل كانت عودة إلى الأرض، إلى الهوية وكانت رسالة واحدة تتردد في قلوب الجميع: “غزة باقية، وشعبها باقٍ”.