📢 أعلن على موقع اليوم الإخباري الآن – واجهتك المثالية للوصول إلى آلاف الزوار يوميًا 🔥 تواصل عبر واتساب +20 100 244 0441   |   أعلن الآن
أخبار

الفتوى والصحة.. تكامل الدين والعلم في مواجهة الاضطرابات النفسية

 

 

 

شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين ندوة علمية متخصصة حملت عنوان “الفتوى والصحة النفسية”، نظَّمها جناح دار الإفتاء المصرية برئاسة فضيلة الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، بمشاركة نخبة من العلماء والمتخصصين، من بينهم الدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث، والدكتور أنس أبو شادي، أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية طب بنين جامعة الأزهر، والدكتور محمد المهدي، رئيس قسم الطب النفسي سابقًا بكلية طب دمياط.

تناولت الندوة العلاقة الوثيقة بين الفتوى والصحة النفسية، وناقشت قضايا محورية مثل الإدمان، الوسواس القهري، الانتحار، وتأثير الفتاوى الدينية على الحالة النفسية للأفراد.
وأكد المشاركون أن الدين الإسلامي اهتم اهتمامًا بالغًا بالصحة النفسية، وجعل حفظ النفس من الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة لحمايتها، كما شددوا على ضرورة التعامل مع المرضى النفسيين برفق وفهم عميق، بعيدًا عن الوصم المجتمعي.

الشرع الحنيف وحفظ النفس في الشريعة الإسلامية

استهل الدكتور محمود صديق حديثه بالتأكيد على أن حفظ النفس من أهم المقاصد الشرعية التي نصَّت عليها الشريعة الإسلامية، حيث أقسم الله -عز وجل- بالنفس في مواضع عدة من القرآن الكريم، مما يدل على قيمتها ومكانتها. وأوضح أن النفس البشرية إذا سمت وزكت، وأصبحت في درجة مطمئنة، كانت في رعاية الله ورحمته.

وأشار إلى أن الفقه الإسلامي تناول قضايا الصحة النفسية بعمق، مستشهدًا بمدرسة الفقه المالكي التي اعتنت بالحالة النفسية للإنسان، لا سيما في مسائل الطلاق، حيث أكدت القاعدة الفقهية “لا طلاق في إغلاق”، والتي تعني أن الطلاق الصادر من شخص يعاني اضطرابًا نفسيًا أو في حالة غضب شديد لا يقع، مراعاةً لحالة الإنسان النفسية.

أضاف صديق أن الإسلام يراعي الطبيعة البشرية، ويدرك أن الإنسان يمر بحالات نفسية متغيرة تؤثر على قراراته وسلوكياته، مشددًا على ضرورة أن تتعامل الأسر مع المرض النفسي كأي مرض عضوي، وألَّا يكون موضع خجل أو وصمة اجتماعية.

كما تناول طريقة تعامل الإسلام مع الأمراض النفسية، مؤكدًا أن بعض المشكلات النفسية مثل الخوف والقلق والهلع هي جزء من الطبيعة البشرية التي خلقها الله. وأكد أن ثقافة الصبر والتحمل من القيم الإسلامية التي تساعد الإنسان على التكيف مع ضغوط الحياة.

الصحة النفسية بين المفاهيم العلمية والشرعية

أوضح الدكتور محمد المهدي الفرق بين المرض النفسي والمرض العقلي، مؤكدًا أن التصنيف الطبي الحديث لا يستخدم مصطلحات مثل “مريض نفسي” و”مريض عقلي”، بل يصنّف الحالات إلى نوعين:

1. العُصاب: يشمل اضطرابات مثل القلق والتوتر والوسواس القهري، حيث يظل المريض واعيًا ومدركًا لما يحدث حوله.

2. الذُّهان: مثل الفصام والهوس، حيث يفقد المريض إدراكه وقدرته على التمييز.

وشدَّد المهدي على أن الصحة النفسية تعني تكامل الصحة البدنية والنفسية والروحية، مشيرًا إلى أهمية تناول قضايا مثل الإدمان والوسواس القهري بوعي ديني وعلمي مشترك، بدلًا من النظر إليها باعتبارها انحرافات أخلاقية فقط.

وتطرّق إلى قضية الانتحار، مؤكدًا أنه ليس بالضرورة ناتجًا عن ضعف الإيمان أو الكفر، بل قد يكون نتيجة اضطراب نفسي مثل الاكتئاب الحاد، مما يستوجب علاجًا طبيًا ونفسيًا بدلًا من الاكتفاء بالتحريم واللوم.

كما أوضح الفارق بين الوسواس النفسي والوسواس الشيطاني، مشيرًا إلى أن الكثير من الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري قد يراودهم وساوس دينية مثل سب الذات الإلهية، وهو ما يسبب لهم شعورًا عميقًا بالذنب، رغم أنهم غير مسؤولين عنه شرعًا.

وفيما يتعلق بدور المفتي في تقديم الدعم النفسي، أوضح المهدي أن الفتوى لا تقتصر على بيان الحكم الشرعي فقط، بل تشمل البعد النفسي والاجتماعي للمستفتي.
وأكد ضرورة تدريب المفتين على مهارات الاستماع العميق والتحليل النفسي، مشيرًا إلى أن بعض المستفتين قد يكونون بحاجة إلى علاج نفسي بجانب الفتوى.

كما تناول المهدي العلاقة بين الفتاوى والقضايا الجنسية، مشيرًا إلى أن بعض القضايا مثل إدمان العادة السرية، التحول الجنسي، والشذوذ تحتاج إلى معالجة متأنية لا تقتصر على التحريم فقط، بل تشمل فهمًا أعمق للدوافع النفسية والسلوكيات المرتبطة بها.

الإيمان والصحة النفسية.. علاقة تكاملية

أما الدكتور أنس أبو شادي، فقد أكد أن الدين الإسلامي جاء لحفظ حياة الناس وتنظيمها، وأن الإيمان بالله والعمل الصالح ينعكسان إيجابيًا على الصحة النفسية للإنسان، حيث يمنح الإيمان صاحبه الطمأنينة واليقين، ويبعده عن التوتر والقلق.

وأشار إلى أن الدين والصحة النفسية علاقة تكاملية، فالفتوى الصائبة تسهم في تحسين الحالة النفسية للإنسان، كما أن الصحة النفسية الجيدة تعين الإنسان على الالتزام بالتكاليف الشرعية.

وأوضح أن الأمراض النفسية ليست دليلًا على ضعف الإيمان، مستشهدًا بأن الأنبياء أنفسهم تعرضوا لابتلاءات نفسية شديدة، ولم يكن ذلك انتقاصًا من قدرهم، بل رفعًا لدرجاتهم.

وشدَّد أبو شادي على أن المرض النفسي ليس وصمة عار، بل هو ابتلاء من الله يستوجب الصبر والعلاج، محذرًا من اللجوء إلى المشعوذين والدجالين بدعوى العلاج، مؤكدًا ضرورة التوعية بخطورة هذه الأساليب.

كما تناول موقف الشريعة من بعض الحالات النفسية، مشيرًا إلى أن المصاب بالوسواس القهري في الطهارة أو الصلاة لا يقع طلاقه إلا إذا تم توثيقه أمام مختص، كما أن الصلاة لا تسقط عن الإنسان إلا إذا كان مصابًا بمرض عقلي يفقده الإدراك.

ضرورة تكامل الفتوى والعلاج النفسي

اختتم المشاركون في الندوة بتأكيد أهمية التكامل بين الفتوى والعلاج النفسي، داعين إلى تدريب المفتين على المهارات النفسية، وتوعية المجتمع بأهمية العلاج النفسي وعدم وصم المرضى.

كما أوصوا بضرورة تعزيز التعاون بين المؤسسات الدينية والمراكز الطبية لعلاج القضايا النفسية بطريقة علمية ودينية متكاملة، بما يسهم في تحسين جودة الحياة النفسية للأفراد والمجتمع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights