الإعلامية هيام أحمد تكتب: مريضة نفسياً

في داخل كل إنسان جزء عاقل منطقي وجزء مجنون متمرد غير منطقي ،عند البعض يطغى أحدهما على الآخر فيكون خللا في توازنه النفسي ،والبعض يوازن بينهما فيكون متزنا ومتوازنا، إذا بدأت صحتك النفسية في التأثير على صحتك الجسدية،عامل نفسك وكأنك مريض ، نحن في زمن يعتذر فيه الطيبون عن طيبتهم ويتفاخر القساة بقسوتهم ،عقلي لا يتوقف عن التفكير ،أجلس بيني وبين نفسي وأتساءل هل أنا المريضة حقاً ، ولا من حولي هم من اصابهم الجنون ؟ أنا التي تحمل في قلبها كل هذا الحنان كل هذا العطف كل هذه المشاعر التي أنهكها العطاء؟ هل أنا المريضة؟أم أن العالم كله قد أصيب بلوثة من الجنون؟ ما أقسى أن تمنح أحدهم روحك فيرحل وكأنك لم تكن يومًا شيئًا يذكر ،أنا أحب كل من حولي أسرتي وأصدقائي أراعيهم، أسمعهم أساعدهم ،أحتويهم حتي علي حساب نفسي وأكون دائمًا الحضن الذي يلجؤون إليه حين تتقاذفهم الحياة،أضع نفسي في آخر الصف،أؤجل احتياجاتي، وأتظاهر بالقوة حتى لا يشعروا أنني بحاجة إلى سند،لكن عندما أحتاج أنا إلى القليل من الاحتواء،إلى كلمة طيبة إلى لمسة حانية،أجد الأبواب موصدة، والوجوه جامدة،وكأن العطاء اصبح فرضًا علي وحدي،أرى العالم من حولي يتحول إلى ساحة من القسوة واللامبالاة،اري الناس ينهشون بعضهم بعضًا،يضحكون في وجهك ثم يغدرون بك عند أول فرصة،يبيعون المشاعر كما تباع السلع،يتلاعبون بالقلوب كأنها قطع شطرنج،أين ذهب الصفاء والصدق ؟ أين ذهب الحب؟ لماذا أصبح الطيب ضعيفًا، والمخلص ساذجًا،والصادق أضحوكة؟ ربما لم يتغير البشر،بل سقطت الأقنعة، فظهر كل شيء على حقيقته،أحيانًا أشعر أنني غريبة وسط هذا العالم،كأنني كائن جاء من زمن آخر، حيث كانت المشاعر نقية والقلوب بيضاء،أهرب إلى الليل، فأجد في عتمته راحتي،أحاكي القمر وأشكو له حزني، وأخبره أنني لم أعد أفهم البشر،نصيحة عزيزي القاريء في هذا الزمن،لا تضع قلبك في يد أحد، فالبشر يتقنون إسقاط الأشياء،الخذلان مؤلم،لكنه درس قاسٍ يعلمنا ألا نسلم قلوبنا إلا لمن يستحق،ليست المشكلة في أن تثق بالناس،بل في أن تعتقد أنهم يشبهونك،أصبحنا نخشى التعلق،ليس خوفًا من الفراق،بل من الخذلان الذي يسبقه ،أهذه أنا المريضة، أم أنني الوحيدة التي لا تزال ترى هذا الجنون واضحًا؟إذا كان المرض النفسي هو أن أشعر وأحب بصدق،أن أتألم لقسوة البشر،أن أتمسك بإنسانيتي وسط عالم جاف،فأهلاً بهذا المرض! لأنني،رغم كل شيء،لن أتحول إلى نسخة أخرى،الحياه احياناً هي التمكن من الصمود رغم خساراتك،التمكن من المحاربة من اجل الآخرين رغم خساراتك،التمكن من أن تكون مرهماً لجراح الآخرين ،سأظل أنا بقوتي في حناني، وعظمتي في عطائي،حتى لو اعتبروني مريضة،فأنا على الأقل ما زلت إنسانة وسأبقى كما أنا،رغم كل شيء قلبًا يحترف العطاء في زمن جفت فيه القلوب ،أخذت من أدوية الكون ما استطعت، لكن لا شيء منها يشفى الجرح الذي أصابته قسوة البشر في قلبي،فإن كان هذا جنونًا، فليشهد العالم أنني المجنونة الأخيرة! في كل مرة يتخلى عني البشر، أهرب إلى الله، فهو وحده ملجئي الذي لا يخيب فيه الرجاء،اللهم لا تبدل نقاء قلبي بقسوة،ولا طهارته بحقد، ولا عطائي بجفاء ،اجعلني يا الله ممن يعطون ولا ينتظرون، ويحبون ولا يخونون، واحفظ لي قلبي رغم كل ما رأى،انك علي كل شئ قدير .