خبير بالقانون الدولي (٢): الولايات المتحدة لعنة يردعها الصمود
المقاومة والصين والقانون الدولي أيهم يتصدى لترامب

في حلقة الأمس من حديث الدكتور “أنيس قاسم”- الخبير الفلسطيني في القانون الدولي- الذي وصف فيه دعوة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لإخلاء غزة وتهجير أهلها “بجريمة التطهير العرقي، تحدث أيضا عن أهمية الموقف العربي الموحد وقوته في إيقاف ذلك المشروع، معتبرًا إياه أهم خطوات إفشاله.
بيد أن هذا الموقف العربي لا يقف وحيدًا في وجه مشروع التهجير، إذ أنه ثمة مواقف أخرى تعزز قوة الفعل العربية، وكانت الأيقونة الأهم في التصدي لذلك المشروع هي الصمود، ممثلا في صمود أهل غزة من جهة، وصمود المقاومة من جهة أخرى، ثم تأتي القوى الفاعلة الأخرى، وقد تحدث الخبير بالقانون الدولي عنها في القسم التالي من الحوار:
المقاومة ضد ترامب
في رؤية “قاسم” لجوانب الصراع، كانت المقاومة حجر زاوية في التصدي لمشروعات التهجير والاقتلاع- كما يسميها، فقال فيها: “نعم تواجه المقاومة عتاة الظلم والإجرام الاستعماري، لكن جميعنا يدرك أنها لم تنكسر بعد 15 شهرا من التدمير والإبادة، ولم ترفع الراية البيضاء، وكل عرض عسكري يوم تسليم الأسرى يكون عبارة عن رسائل موجهة للعدو، ومن هنا لا أظن أنها بصدد أن تساوم أو ترفع الراية البيضاء، من أين تأت بذلك؟ لا أعلم، لكن يبدو جليا أنه كان لديهم تخطيط بعيد المدى، وعلى الرغم من أن جميع أسلحتهم من صناعتهم في الورش والأنفاق، فهم لا يستوردون شيئا، تمكنوا من إنهاك الجيش الإسرائيلي”.
لكن هل تعتقد أنهم الإنهاك قد طالهم أيضًا؟
” نعم أُنْهِكوا، لكن الرسائل التي وصلت للجمهور العربي والإسرائيلي كانت تؤكد مقولة معلق إسرائيلي، حين قال: اعتقدنا أننا أجهزنا حتى على المياة لديهم، ففوجئنا بهم يخرجون بمظهر نظيف، وملابس نظيفة تم كيها، وهذه رسائل مهمة ومثيرة للانتباه، أنهم باقون وصامدون ومازالت بهم قوة”.
الصين والكتلة الشرقية
أظهرت الصين- وهي أحد أقوى عناصر الكتلة الشرقية المعادية لسياسات الهيمنة الأمريكية- مواقف ثابته من مقترح “ترامب” للتهجير، فأعلنت وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية الرفض القاطع لمشروعات التهجير، والدعم الثابت للحق الفلسطيني، وأن قطاع غزة ملك لأهله الفلسطينيين و “ليس ورقة للمساومة السياسية”، كما رفضت بشدة استهدافه بقانون القوة.
وبالمثل عبر مندوب الصين بمجلس الأمن عن موقف بلاده الصارم من رفض التهجير القسري للفلسطينيين، وكذلك رفضها الإبادة الجماعية لأهل غزة، التي استمرت طوال عام وعدة شهور، كما شدد على دعم بكين القوي للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ليلوح في الأفق ذلك التساؤل عن احتمالات دخول الصين طرفًا في معادلة القوى في المنطقة العربية، لتتصدى “لترامب” بما هو أكبر من التصريحات والدعم الشفوي.
وفي هذا الصدد قال “قاسم” في حديثه لليوم: “أعتقد أن الصين تتحدث بلسان مختلف عن السابق، قد يكون أكثر موضوعية عما سبق، لأنه من مصلحة الأمن الدولي لجم الغطرسة الإسرائيلية، حيث أن إتمام مشروع التهجير يعني أن تصبح إسرائيل سيدة المنطقة، ومن هنا يخشى العالم كله هذا التمدد الصهيوني، وعلى رأسهم مصر التي يمس الأمر أمنها القومي بشكل مباشر”.
أما عن دخول الصين قلب المعادلة، فقد نفى ذلك، إذ رأى أنها “قد تتدخل بشكل دبلوماسي، أي لا يتعدى تدخلها التصريحات السياسية، وهو توجه جيد لأنه يجعلها في موقف مضاد لترامب، وترامب يرى أن من الهموم الكبرى على رأسه الخطر الصيني”.
وعلى ذات منوال الصين سارت كوريا الشمالية، فكان السؤال: هل ننتظر تحالفا شرقيا (صيني- كوري شمالي) ينقذ الموقف؟
وأجابه الخبير بالقانون الدولي بوضوح، فقال: “ربما لا يصل الأمر للتحالف، لكن هناك اهتمام متنامي بالمنطقة، بسبب المصالح الجيوسياسية، وعلى سبيل المثال: الصين لديها طريق الحرير، ويهمها أن يظل هذا المشروع يعمل بدون إرباكات، وبالمثل مصالح كوريا وفيتنام”.
وأضاف: “وهنا كان لابد أن يظهر دور القيادة الفلسطينية، حيث يكون الأولى بها أن تتواصل دبلوماسيا مع قيادات دول الشرق مثل الصين وكوريا وغيرها، لإقامة علاقات أقوى وزيادة الروابط للاستفادة من دعمها للقضية”.
وما يمنع السلطة الفلسطينية من مد تلك الجسور بشكل دبلوماسي؟
لأنها سلطة مرهونة للاحتلال، ومن هنا تكون قدرتها على التحرك محدودة، فهي لا تستطيع اتخاذ موقف فاعل، لأن تلك المواقف من شأنها لجم الغطرسة الإسرائيلية، وهو ما يقع خارج نطاق وظيفتها التي تقتصر على التنسيق الأمني، وليس فضح إسرائيل والتحالف ضدها.
ترامب أمام القانون الدولي
لما انفرد الرئيس الأمريكي بقوته وحده، غير مكترثًا لقوى أخرى، كان السؤال عن موقع القانون الدولي من معادلة القوة: فهل يستطيع القانون أن يقف في وجه ترامب؟
وقد رد “قاسم” على السؤال، فقال: “القانون الدولي يضع مبادئ، لكن تنفيذه واحترام مبادئه مسؤولية الأفراد والدول، لأنه لا يملك أداة تنفيذية، إنما يضع معايير لسلوك الدول، فإن أرادت الدول الالتزام يُرَحَبْ بذلك، وإن لم تلتزم حدثت المشكلات، مثل حالة أمريكا التي لا تلتزم بالمعايير الدولية”.
أيعني ذلك فقدان القانون الدولي قدرته؟
“بل هو قادر والدليل على ذلك حكم محكمة العدل الدول في 19 يوليو 2024، حيث حكمت بأن: الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة غير قانوني ويجب أن ينتهي؛ ومن هنا يحتاج هذا الحكم لمن يسمع قرار المحكمة فينفذه، لذ لا عيب في القانون الدولي، العيب في المسؤولين الذي لا يحترمونه بشكل فج، بل ويمارسون البلطجة في ذلك”.
كيف يكون لديه القدرة ولا ينفذ على الأرض؟
أعتقد أننا بحاجة لأداة تنفيذ، التي هي مفقودة بسبب لعنة الزمن المفروضة على البشرية، إن هناك دولة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي دولة غارقة في الفساد والإفساد والبلطجة، ومن هنا نحن نعيش عصر الهيمنة، وهي دولة ليست قدرا لا مفر منه، لأنه بالتجربة استطاعت طالبان أن تنال استقلال أفغانستان وتطردها، على الرغم من قدراتها وإمكاناتها الهائلة، وذلك بالصمود فقط.
وعليه هي ليست قدر بل يمكن ردعها، وبالنسبة لغزة فإنه حال وقوف الدول العربية موقفا موحدا كما نتوقع من قمة القاهرة، لن يستطيع ترامب فعل شيء، وإن هدد بقطع المعونات فهناك بدائل في الدول العربية- كما سبق وذكرنا في أمر الموقف العربي”.
قابلية التنفيذ أمام الصمود
أمام تلك المواقف الرافضة، وحالة الصمود التي يعلنها أهل غزة، هل تظل فكرة التهجير قابلة للتنفيذ؟
سؤال وجهناه “لقاسم”، فكان جوابه: “أعتقد أن ذلك الرئيس الأمريكي الذي أسميه الرئيس ميكي ماوس، لأنه طرح فكرة خطيرة جدا، دون أن تدرس وتقدم في صورة خطة، لأنه لو لديه خطة كان سيعلن موعد التنفيذ ووسائله وأماكن الاستقبال، وكثير من التفاصيل، لكن هو يعلن شراء غزة فمن البائع وكم السعر ولمن ستدفعه؟ وفي تصريح آخر يعلن انه لن يشتريها بل سيسيطر عليها وفقًا للسلطة الأمريكية… وهذا لا يمكن تسميته إلا استعمار”.
ربما يكون طرح الفكرة الآن ثم يضع لها خطة بعد ذلك، أليس كذلك؟
أجاب ببساطة: “ما هكذا تطرح الأفكار في عالم السياسة الدولية، فمثلا الفكرة المصرية لإعادة الإعمار لا تطرح بطريقة “هيا بنا نعيد الإعمار”، لأن هذا ليس عنوانا إنما خطة، لذا نجد مصر لديها قاعدة بيانات بالخطط والتفصيلات حول كل الاحتمالات والطرق والأساليب والتمويل والبناء، ذلك لأنها دولة تطرح خطة، وهكذا تطرح الخطط، وليس بطريقة شخص يجلس مع أصدقائه ليطرح فكرة مثلما فعل ترامب”.
وما بين الخطة والفكرة، والقوى العالمية والتوازن الدولي، يبقى أهل غزة طرفًا في المعادلة، ينتظر المستقبل غير معلوم من ملامحه سوى ما اختتم به “قاسم” حديثه، حين قال: “غزة لن تتزحزح، ولن يغادرها أهلها، فالكتلة السكانية منهم موجودة على أرضها، يمكن أن تجدي هجرات فردية، هذا جائز لأن قدرة تحمل الوجع تختلف من شخص لآخر، لكن الكتلة السكانية لأهل غزة لن تغادر”.