جريدة اليوم .. الصيام..مفهومه..توقيته وأحكامه في الحلقة “3”من برنامج”أيامًا معدودات”
ما هو الوقت المثالي للسحور؟ الدليل من السنة النبوية

في حلقة جديدة من برنامج أيامًا معدودات، الذي تقدمه جريدة وموقع اليوم، استعرض الدكتور علاء فتحي الغريزي، العالم الأزهري وأستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، مفهوم الصيام في الإسلام، توقيت فرضه، وأحكامه المتعلقة بنية الفطر والأكل أو الشرب نسيانًا.
مفهوم الصيام في الإسلام
عند سماع كلمة “الصيام”، يتبادر إلى الذهن فورًا الامتناع عن الأكل والشرب والجماع، لكن المفهوم أوسع من ذلك. الصيام في اللغة يعني الإمساك، وهو يشمل الإمساك عن أي شيء، بما في ذلك الكلام السيئ والفاحش. وقد ورد في القرآن الكريم على لسان السيدة مريم عليها السلام قولها: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم: 26]، مما يدل على أن الصيام قد يكون أيضًا صومًا عن الكلام.
أما في الاصطلاح الشرعي، فالصيام هو الإمساك عن المفطرات الثلاث (الأكل، الشرب، والجماع) من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع عقد النية. وقد أشار النبي ﷺ إلى ضرورة الالتزام بالصيام بمعناه الأشمل حين قال: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” (رواه البخاري).
توقيت فرض الصيام على المسلمين
فرض الله الصيام على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، وصامه النبي ﷺ تسع رمضانات حتى وفاته. وقد وردت فرضيته في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. وكان أول يوم صامه النبي ﷺ يوم الأربعاء وفق الروايات الصحيحة.
الصيام في الأمم السابقة
كان الصيام مفروضًا على الأمم السابقة، ولكن الخلاف بين العلماء يدور حول ما إذا كان صيام رمضان مخصوصًا بأمة الإسلام أم لا. يرى أكثر العلماء أن شهر رمضان كان من خصائص الأمة المحمدية تكريمًا للنبي محمد ﷺ، بينما كانت الأمم السابقة تصوم أيامًا أخرى مثل أيام البيض (13، 14، 15 من كل شهر قمري)، وصيام يوم عاشوراء عند قوم موسى عليه السلام.
ومع ذلك، هناك رأي آخر يرى أن الأمم السابقة كانت تصوم رمضان، لكنهم غيروا في توقيته ومدته، فزادوا الأيام إلى خمسين يومًا، ونقلوا الصيام إلى فصول أكثر اعتدالًا.
حكم نية الفطر التي تطرأ على الخاطر
أحيانًا، قد يفكر الصائم في الإفطار بسبب الحر الشديد أو التعب، فهل يعد مفطرًا؟
الإجابة لا، لأن مجرد التفكير أو تمني الفطر لا يبطل الصيام، ما لم يتحول هذا التفكير إلى فعل. فقد ورد في الحديث الصحيح: “إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسَها ما لم تعمل به أو تكلم” (رواه البخاري ومسلم). لذا، لا شيء على الصائم في هذه الحالة.
حكم الأكل أو الشرب نسيانًا أثناء الصيام
من أكل أو شرب ناسيًا وهو صائم لا يفطر، سواء كان الصيام فرضًا (رمضان، قضاء، نذر، كفارة) أو تطوعًا، وذلك لحديث النبي ﷺ: “مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ” (رواه البخاري ومسلم).
أما إذا كان الجماع هو الذي وقع نسيانًا، فهناك خلاف بين العلماء، إلا أن جمهور الفقهاء يرون أنه لا قضاء ولا كفارة عليه، بل يستحب له قضاء يوم آخر احتياطًا، وذلك قياسًا على الأكل والشرب نسيانًا.
فضل السحور ووقته
يعد السحور سنة مؤكدة، وقد وردت أحاديث كثيرة تحث عليه، منها قول النبي ﷺ: “تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً”.
وتتمثل بركات السحور في:
- امتثال أمر النبي ﷺ، وهو أعظم الفضائل.
- إعطاء القوة للصائم، مما يساعده على تحمل مشقة الصيام.
- الاستيقاظ في وقت السحر، وهو وقت مبارك يستجاب فيه الدعاء.
- المساعدة على صلاة الفجر في وقتها، ما يمنح الصائم أجورًا مضاعفة.
أما عن توقيته، فقد ورد في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: “تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ”، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً” (رواه البخاري)، أي ما يعادل ربع ساعة تقريبًا قبل الفجر.
ختامًا
يظل الصيام أحد أركان الإسلام العظيمة، يحمل في طياته معاني روحية وتعبدية سامية، فلا يقتصر فقط على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يمتد ليشمل تهذيب الأخلاق، وضبط النفس، والبعد عن المحرمات، مما يجعله وسيلة لتحقيق التقوى، كما جاء في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.