«إِذا صُمت فليصُم سمعُك وبصرُك».. دعوة نبوية لصيام القلب والجوارح مع الدكتور نظير عياد
رمضان فرصة للتغيير.. كيف تتخلص من العادات السيئة وتكتسب فضائل جديدة؟

صيام الجوارح.. روح الصيام ومعناه الحقيقي
في حديث نبوي شريف يُبرز لنا النبي ﷺ جوهر الصيام وحقيقته العميقة، حيث قال: «إِذا صُمت فليصُم سمعُك وبصرُك»، مشيرًا إلى أن الصيام لا يقتصر فقط على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يشمل الامتناع عن كل ما يفسد الروح ويسيء إلى الأخلاق. حول هذا المعنى العميق، تحدث فضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، من خلال الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية، مؤكدًا أن الصيام ليس مجرد جوع وعطش، بل هو مدرسة أخلاقية وسلوكية تهذب النفس وتسمو بالروح.
المعنى الشامل للصيام
يقول الدكتور نظير محمد عياد إن الصيام عبادة روحية وجسدية تهدف إلى تقوية الإرادة، وتطهير القلوب، وتنمية الشعور بالمسؤولية والتقوى. وأوضح أن حديث النبي ﷺ يوجه المسلم إلى صيام الجوارح أيضًا، بحيث يمتنع عن كل ما يُضعف صيامه من سماع الغيبة والنميمة، والنظر إلى المحرمات، والتلفظ بالكلمات الجارحة، وكل ما يخدش نقاء القلب والروح.
وأكد أن الصيام الحقيقي هو الذي يرتقي بالنفس ويجعل الإنسان أكثر انضباطًا في سلوكه، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» (رواه البخاري).
أهمية صيام الجوارح
1- صيام السمع:
يقول المفتي إن صيام الأذن يعني الامتناع عن سماع كل ما يؤذي القلب والعقل، مثل الغيبة والنميمة والأحاديث الفاحشة، مؤكدًا أن الأذن بوابة للقلب، وما يسمعه الإنسان يؤثر بشكل مباشر في سلوكه وأفكاره.
2- صيام البصر:
أما صيام العين، فهو غض البصر عن المحرمات، وتجنب النظر إلى ما يثير الشهوات أو يؤذي الآخرين. وأشار فضيلته إلى أن البصر نعمة عظيمة، واستخدامها في غير ما يرضي الله يُضعف أثر الصيام ويقلل من أجره.
3- صيام اللسان:
كما أشار إلى أن الكلمة لها أثر قوي في حياة الإنسان والمجتمع، لذا يجب على الصائم أن يتحكم في لسانه، فيمتنع عن السب، والشتم، والكذب، والغيبة، والنميمة، موضحًا أن الصيام فرصة لتعويد النفس على الكلام الطيب والذكر والدعاء.
4- صيام القلب:
ولفت فضيلته إلى أن القلب هو مركز الإيمان، لذلك يجب على الصائم أن يصوم عن الحقد، والحسد، والضغينة، وأن يتحلى بالتسامح والمحبة، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» (رواه البخاري ومسلم).
الصيام.. تدريب عملي على التقوى
وأضاف الدكتور نظير محمد عياد أن شهر رمضان فرصة عظيمة لتدريب النفس على التقوى، حيث قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183)، مشيرًا إلى أن التقوى تعني ضبط النفس، والالتزام بالقيم الإسلامية، والتعامل مع الآخرين بأخلاق رفيعة.
وأكد أن الصيام ليس مجرد عبادة فردية، بل هو وسيلة لإصلاح المجتمع، حيث ينمي روح التضامن والتكافل، ويجعل الإنسان يشعر بآلام الفقراء والمحتاجين، داعيًا المسلمين إلى استثمار هذا الشهر الكريم في تهذيب نفوسهم، والإكثار من العبادات، وتحقيق التقوى الحقيقية.
خاتمة: رمضان فرصة للتغيير
في ختام حديثه، شدد فضيلة المفتي على أن رمضان ليس مجرد شهر للامتناع عن الطعام والشراب، بل هو محطة روحية تُعيد الإنسان إلى فطرته النقية، وتُساعده على التخلص من العادات السيئة، واكتساب عادات إيجابية تدوم حتى بعد انتهاء الشهر الفضيل.
ودعا المسلمين إلى الحرص على صيام الجوارح بجانب صيام المعدة، والاستفادة من رمضان في تهذيب النفس والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، مؤكدًا أن من يلتزم بهذا النهج سيشعر ببركات الصيام وآثاره الإيجابية في حياته اليومية.