تقارير-و-تحقيقات

تطوير وسط البلد بين الحفاظ على الهوية والاستثمار الحكومي

تقرير – آيـة زكـي

أثارت خطط تطوير منطقة وسط البلد نقاشًا واسعًا بين المواطنين والخبراء، حيث تتباين الآراء بين الترحيب بالمشروع باعتباره خطوة نحو التحديث وجذب الاستثمارات، وبين القلق من فقدان المنطقة لطابعها التراثي العريق، يخشى البعض من أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإقصاء الأنشطة التجارية التقليدية.

وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على تفاصيل المشروع، ونستعرض آراء الخبراء حول مستقبل أقدم أحياء القاهرة.

التطوير وفق رؤية مصرية خالصة

أكد الدكتور عصام صفي الدين، أستاذ العمارة ومؤسس بيت المعمار المصري، أن الاستثمار في هذه المنطقة يجب أن يقتصر على التمويل فقط، دون تدخل المستثمرين في عمليات التخطيط أو التصميم، نظرًا للطابع التراثي والتاريخي الذي تحمله المنطقة.

وأوضح “صفي الدين”، أن أي مخطط أو تصميم لهذه المناطق يجب أن يكون بأيدي مصريين متخصصين، نظرًا لإلمامهم بتاريخ ومعالم وسط البلد التراثية، مما يضمن الحفاظ على هوية المنطقة وعدم الإخلال بطابعها المعماري الفريد.

شدد أستاذ العمارة، على أن المستثمر الأجنبي يمكنه ضخ أمواله في قطاعات أخرى مثل القرى والمنتجعات السياحية، لكنه لا يمكنه الاستثمار في التاريخ والتراث المصري، نظرًا لحساسية هذه المناطق وأهميتها الثقافية والوطنية، مشيرًا، إلى أن الحفاظ على الطابع العمراني لوسط البلد يمثل أولوية قصوى، مؤكدًا أن أي عملية تطوير يجب أن تتم وفق معايير دقيقة تحافظ على هوية المكان وتعكس تاريخه العريق، مع ضمان عدم المساس بالملامح الأصلية للمباني التراثية.

واختتم” صفي الدين” ، حديثه بالتأكيد على أن الاستثمار في تطوير وسط البلد يجب أن يكون مسؤولًا، بحيث يساهم في الحفاظ على المكان بدلًا من تغييره أو طمسه، مع وضع ضوابط واضحة تضمن أن تكون عملية التطوير بأيدي مصرية للحفاظ على روح المنطقة ومعالمها التاريخية.

الحفاظ على الهوية الوطنية

ومن جانبه،أكد الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية، على ضرورة الحفاظ على الطابع الحكومي لمنطقة وسط البلد، التي تشمل ميادين التحرير والعتبة وشارع طلعت حرب، باعتبارها منطقة ذات أهمية تاريخية وأمنية لمصر.

وشدد “عرفة”، على أن هذه المنطقة، التي يعود إنشاؤها لأكثر من 200 عام، تمثل جزءًا لا يتجزأ من التراث والتاريخ المصري، مما يجعل دخول أي شريك أجنبي في تطويرها أمرًا غير مرحب به. وأوضح أن بيع هذه المنطقة سيشكل سابقة لم تحدث من قبل عالميًا، مؤكدًا أن البديل الأمثل هو الاستثمار فيها دون التخلي عن ملكيتها.

وأشار استاذ الإدارة المحلية، إلى إمكانية استغلال الأراضي الفارغة وغير المستخدمة في المنطقة عبر منحها للمستثمرين المحليين، وذلك لإنشاء فنادق جديدة وتطوير المحال التجارية، على أن يكون ذلك تحت إشراف حكومي كامل من خلال جهات مثل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بما يضمن تحقيق التنمية دون المساس بالسيادة الوطنية.

وطالب “عرفة”، بأن يشمل التطوير ترميم المباني الأثرية بالتعاون مع جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، إلى جانب توسيع الطرق، وزيادة المساحات الخضراء، ودهان المباني، وإزالة الأبنية المتهالكة، مما يساهم في إعادة المنطقة إلى رونقها التاريخي.

ولم يغفل عن التطرق إلى مشكلة الباعة الجائلين، حيث اقترح إنشاء أكشاك ثابتة ومتحركة لهم، مستوحاة من تجارب عالمية ناجحة مثل لندن ودبي، بما يحقق التوازن بين تحسين المظهر الحضاري للمنطقة وحماية مصادر رزق هؤلاء الباعة.

اختتم الدكتور حمدي عرفة، تصريحاته بالتأكيد على ضرورة أن يكون التطوير بتمويل ومشاركة رجال أعمال مصريين بنسبة 100%، مع إشراف حكومي مباشر، حتى لا تفقد العاصمة المصرية العريقة جزءًا من هويتها لصالح استثمارات أجنبية، مشددًا على أن وسط البلد ليست مجرد منطقة اقتصادية، بل تمثل روح وتاريخ مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights