تقارير-و-تحقيقات

جريدة اليوم .. الحلقة “6” من برنامج “أيامًا معدودات” أحكام الصيام ومسائله الفقهية مع الدكتور علاء الغريزي

مع حلول شهر رمضان المبارك، يكثر التساؤل حول بعض المسائل الفقهية المتعلقة بالصيام، والتي قد يقع فيها الكثير من الصائمين دون قصد. وفي الحلقة السادسة من برنامج “أيامًا معدودات”، الذي يقدمه الدكتور علاء الغريزي من خلال جريدة وموقع اليوم.

وفي هذا التقرير، نستعرض بعض الأحكام المهمة التي قد يحتاج إليها الصائمون، وتفاصيل هذه المسائل وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، مع توضيح آراء الفقهاء فيها، لتكونوا على بيّنة من أمور دينكم.

أيامًا معدودات.. أحكام الصيام ومسائله الفقهية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد…

أولًا: حكم من أكل أو شرب بعد الفجر ظانًا أن الفجر لم يؤذن بعد

يحدث أحيانًا أن يأكل الصائم أو يشرب ظانًا أن الفجر لم يطلع بعد، ثم يتبين له لاحقًا أنه كان قد أذن بالفعل، فهل يكون بذلك قد أفطر؟

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

  1. القول الأول (رأي الجمهور): الإفطار ووجوب القضاء
    يرى جمهور الفقهاء أن من أكل أو شرب بعد أذان الفجر معتقدًا أن الوقت لم يدخل، فإنه يكون مفطرًا وعليه الإمساك بقية اليوم تعظيمًا لحرمة الشهر، ثم يجب عليه قضاء هذا اليوم بعد رمضان.
    استدلوا على ذلك:
  • بقول الله تعالى: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ” (البقرة: 187)، حيث قالوا إن تبين طلوع الفجر يعني انتهاء وقت الأكل والشرب، وبالتالي فإن من أخطأ في ذلك وجب عليه القضاء.
  • كما أن الإنسان يمكنه التثبت من دخول الوقت بسهولة عبر الوسائل الحديثة مثل الساعات والمنبهات والتطبيقات الهاتفية، لذا يُعد مقصرًا إذا لم يتحقق من الأمر.
  • قول ابن قدامة في “المغني”: “وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، وَقَدْ كَانَ طَلَعَ … فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ”.
  1. القول الثاني: صحة الصوم وعدم وجوب القضاء
    ذهب بعض الفقهاء إلى أن من أكل أو شرب بعد الفجر مخطئًا فصيامه صحيح ولا قضاء عليه، مستدلين بعدة أدلة، منها:
  • قول الله تعالى: “وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ” (الأحزاب: 5)، وهذا الشخص لم يتعمد الفطر.
  • حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “رُفِعَ عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”، فدلّ ذلك على أن المخطئ لا يؤاخذ.
  • قياسًا على حكم من أكل ناسيًا لصومه، حيث إن الشرع لم يفرق بين الجاهل والناسي في كثير من الأحكام.

الرأي الراجح:
ذهب كثير من الفقهاء إلى ترجيح القول الأول بوجوب القضاء، لأن الوسائل الحديثة تتيح التثبت من دخول الفجر بسهولة.

ثانيًا: حكم من أكل أو شرب ظانًا أن الشمس قد غربت ولم تغرب بعد

يحدث أحيانًا أن يفطر الصائم ظانًا أن الشمس قد غربت، ثم يتبين له لاحقًا أنها لم تغرب بعد، فما حكم صيامه؟

اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

  1. القول الأول (رأي الجمهور): الإفطار ووجوب القضاء
    يرى جمهور العلماء أن الصائم الذي أفطر ظنًا أن الشمس غربت لكنه اكتشف لاحقًا أنها لم تغرب، فإنه يكون مفطرًا وعليه قضاء ذلك اليوم.
    استدلوا على ذلك:
  • بقول الله تعالى: “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ” (البقرة: 187)، حيث إن الإفطار قبل دخول الليل يُعتبر إخلالًا بتمام الصيام.
  • أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفطر في يوم غيم، ثم تبين أن الشمس لم تغرب، فقال: “الخطب يسير، وقد اجتهدنا”، وكان رأي الإمام مالك أنه يقصد بذلك القضاء.
  • حديث صهيب حين أفطر في يوم غيم، ثم طلعت الشمس، فقال: “طعمة الله، أتموا صيامكم واقضوا يوما مكانه”.
  1. القول الثاني: صحة الصيام وعدم وجوب القضاء
    ذهب بعض الفقهاء إلى أن الصائم الذي أفطر مخطئًا لا يلزمه القضاء، مستدلين على ذلك بـ:
  • قول الله تعالى: “رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا”.
  • حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان”.
  • حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: “أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس”، ولم يثبت أمرهم بالقضاء.

الرأي الراجح:
يرى كثير من العلماء ترجيح القول الأول بوجوب القضاء، نظرًا لتوفر الوسائل الحديثة التي تسهل التأكد من وقت الغروب.

ثالثًا: حكم إفطار الكبير الذي لا يقدر على الصيام

الصيام واجب على كل مسلم بالغ قادر، لكن ماذا عن الشيخ الكبير والمرأة العجوز الذين لا يستطيعون الصيام؟

اتفق العلماء على أنهما غير مطالبين بالصيام، ولكن عليهما الفدية بدلًا عنه، وهي: إطعام مسكين عن كل يوم يفطرانه.

دليل ذلك:

  • قول الله تعالى: “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” (البقرة: 184).
  • عن ابن عباس رضي الله عنهما: “نزلت في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينًا”.
  • مقدار الفدية: إطعام مسكين وجبة مشبعة أو ما يعادل 750 جرامًا من الأرز أو القمح أو غيرهما، أو دفع قيمتها المالية.

خاتمة:
معرفة أحكام الصيام واجبة على كل مسلم، حتى يؤدي عبادته على الوجه الصحيح. وقد تناولنا في هذا التقرير ثلاث مسائل من المسائل الفقهية المهمة، وهي حكم الأكل بعد الفجر ظانًا عدم طلوعه، وحكم الإفطار قبل غروب الشمس ظانًا غروبها، وحكم إفطار الشيخ الكبير الذي لا يقوى على الصيام. والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى