الشقيانين في نهار رمضان.. حكايات من قلب المعاناة

تحقيق – آيـة زكـي
مع إشراقة شمس يوم جديد من شهر رمضان، تتغير ملامح الشوارع، فالبعض يقضي نهاره في راحة بانتظار الإفطار، بينما يخرج آخرون لمواجهة التعب والمشقة، يكدحون بأجسادهم في أعمال شاقة، صائمين رغم العطش والإرهاق، هؤلاء هم “الشقيانين” في رمضان، عمال النظافة السائقون، بائعو الأسواق وعمال البناء، الذين لا يستطيعون التوقف عن العمل رغم الظروف القاسية، لأنهم ببساطة، يكافحون من أجل لقمة العيش.
معاناة في صمت
في كل زاوية في الشارع المصري ، هناك من يتحدى حرارة الشمس والمجهود البدني ليكسب قوت يومه، صائمًا رغم المشقة.
وفي أحد شوارع منطقة فيصل، يقف أحمد عبد الحكم، عامل بناء في الثلاثينيات من عمره، يخلط الأسمنت ويحمل الطوب تحت أشعة الشمس الحارقة، يقول وهو يمسح العرق عن جبينه: الصيام صعب علينا، لكن إحنا متعودين، بنصحى من الفجر وننزل على الشغل، وربنا بيعين، مفيش رفاهية إننا نقعد في البيت، لأن الأكل لازم يدخل لعيالنا كل يوم.
ليس أحمد وحده، بل يشاركه آلاف العمال الذين يعملون في مهن شاقة مثل عمال الترحيل، والسائقين، وعمال النظافة ، وبائعي الأسواق الشعبية، يجمعهم نفس التحدي: كيف يحافظون على صيامهم دون أن يفقدوا طاقتهم في ظل ظروف عمل قاسية؟
ويلتقط محمود منصور،عامل بناء، طرف الحديث،و هو يرفع الطوب ويخلط الأسمنت وسط حرارة النهار، قائلًا بنبرة مرهقة: الشغل في رمضان صعب جدًا، خصوصًا وإحنا صايمين، حرارة الشمس حارقة، والمجهود كبير، لكن لو قعدنا في البيت، مين هيأكل ولادنا؟
وعلى بعد أمتار، يجلس عم سيد، وهو نقاش، يقول: رمضان بالنسبة لنا تحدي، لكننا متعودون على الصبر، المشكلة أن ساعات العمل طويلة، ولو طلبنا تخفيفها، أصحاب الشغل بيرفضوا.
عمال النظافة.. جنود مجهولة
في إحدى شوارع محافظة الجيزة ، يحمل أحمد، عامل نظافة، مكنسته ويدفع عربته الثقيلة وسط أكوام القمامة. يقول: الشغل بيزيد في رمضان، الناس بترمي بواقي الأكل في الشوارع، وإحنا بنشيلها، نفسي الناس تحترم تعبنا وما ترميش الزبالة في أي مكان.
ويحمل محمود مكنسته الثقيلة، يجوب الشوارع إحدى شوراع منطقة فيصل وينظف الأرصفة، غير مبالي بحرارة الشمس الحارقة. يعلق قائلاً: إحنا أكثر ناس بتتعب في رمضان، الناس تصوم وترمي الزبالة، وإحنا لازم ننضف، نفسي الناس تحس بينا وتحترم شغلنا.
رغم التعب، يظل للشقيانين في رمضان أمل وسعادة خاصة، يقول عبد الله، عامل نظافة: النهار بيعدي بصعوبة، بس لما بنقعد مع العيلة على الفطار، بننسى التعب، نفسي في يوم رمضان أقعد في البيت وأرتاح، بس الرزق أهم.
عمال يواجهون المشقة لتلبية احتياجات الصائمين
ويقول مصطفى، وهو سائق دليفري يعمل على دراجة نارية :طلبات الأكل بتزيد في رمضان، وكل زبون عاوز أكله يوصل بسرعة، واحنا بنجري طول النهار، لا راحة ولا مية ولا حتى وقت للصلاة.
على دراجته النارية، يسرع كريم ، عامل توصيل الطلبات، لإنهاء “الأوردر” قبل موعد الإفطار،يشتكي قائلاً: الطلبات في رمضان لا تتوقف، والناس عاوزة أكلها يوصل بسرعة، إحنا نصوم ونتعب، لكن لازم نكون أسرع من الجوع.
وفي أحدي الأسواق منطقة فيصل، تقف أم محمد، بائعة الخضار، تردد بصوت مبحوح: “بطاطس يا ست الكل، طماطم طازة”، تقول بحسرة: أقف من الصبح لحد المغرب، ورجلي بتورم من كتر الوقفة بس لو قعدت، مين هيصرف على أولادي و هيجيب لنا الفطار؟
وداخل أحد المخابز الصغيرة، يعمل مصطفى، وهو خباز في الأربعينيات من عمره، وسط ألسنة اللهب والحرارة الشديدة، يصف يومه قائلًا: نقف أمام الفرن ساعات طويلة، والحرارة هنا لا تطاق، أحيانًا نشعر بدوار من العطش، لكن لا نستطيع التوقف عن العمل، لأن الناس تحتاج إلى الخبز، ونحن نحتاج إلى لقمة العيش.
كفاح بالصيام وصبر على المشقة
هؤلاء وغيرهم من الشقيانين في رمضان، يقضون نهارهم بين العرق والتعب، لكنهم يتمسكون بالصيام رغم المشقة، لأنهم يعرفون أن العمل عبادة، وأن الأجر مضاعف في هذا الشهر الفضيل.
ورغم المشقة، يظل “الشقيانين” يقاومون، يعملون بصمت، ينتظرون ساعة الإفطار ليجتمعوا مع عائلاتهم، ويدعون الله أن يمنحهم القوة ليكملوا يومًا جديدًا من الكفاح.