تقارير-و-تحقيقات

15 عامًا من التجديد والوسطية.. الإمام الطيب يقود الأزهر نحو العالمية

تحتفل الأمة الإسلامية بمرور خمسة عشر عامًا على تولي فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب مشيخة الأزهر الشريف، وهي فترة شهدت خلالها المؤسسة العريقة تحولات كبيرة على مختلف المستويات، بدءًا من تطوير المناهج التعليمية، وتعزيز الفكر الوسطي، مرورًا بمواجهة التطرف والإرهاب، وصولًا إلى مدّ جسور الحوار بين الأديان والثقافات.

لقد كانت قيادة الإمام الطيب للأزهر نموذجًا للمزج بين الحفاظ على التراث العريق والتجديد المستمر لمواكبة تحديات العصر، ما جعل الأزهر، تحت رعايته، أحد أبرز المؤسسات الإسلامية الفاعلة على الساحة العالمية، ليس فقط في المجال الديني، بل أيضًا في ميادين الفكر، والثقافة، والاجتماع، والدبلوماسية.

المسيرة العلمية للإمام الأكبر.. من صعيد مصر إلى قمة الأزهر

وُلد فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب في السادس من يناير عام 1946 بقرية القرنة في محافظة قنا بصعيد مصر، في بيئة صوفية أزهرية، حيث تربّى على القيم الإسلامية السمحة التي شكلت وعيه منذ الصغر.

حفظ القرآن الكريم في طفولته، ثم التحق بمعاهد الأزهر ليكمل دراسته الدينية حتى التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وحصل منها على الليسانس في العقيدة والفلسفة عام 1969. لم يتوقف عند هذا الحد، بل حصل على درجة الماجستير عام 1971، ثم الدكتوراه عام 1977، ليبدأ رحلة أكاديمية طويلة أستاذًا للعقيدة والفلسفة، وعميدًا لعدد من الكليات، حتى وصل إلى رئاسة جامعة الأزهر قبل أن يتقلد منصب شيخ الأزهر عام 2010.

امتاز الإمام الطيب بنهج فكري متزن يجمع بين الأصالة والمعاصرة، كما أتقن عدة لغات أجنبية، من بينها الفرنسية التي درس بها في جامعة السوربون، ما جعله قادرًا على الحوار مع الثقافات الأخرى وإيصال صورة الإسلام الحقيقية إلى العالم.

التعليم الأزهري في عهد الإمام الطيب.. نهضة علمية شاملة

منذ تولي الإمام الأكبر مشيخة الأزهر، كان على رأس أولوياته تطوير التعليم الأزهري، باعتباره الركيزة الأساسية لبناء جيل من العلماء القادرين على حمل راية الوسطية الإسلامية وقد اتخذ فضيلته عدة خطوات جوهرية لتحقيق هذه الغاية، من أبرزها:

1. تطوير المناهج الدراسية

تحديث الكتب الدراسية بحيث تجمع بين التراث الإسلامي الأصيل والفكر الحديث.

إدخال مواد جديدة تعزز من قدرة الطلاب على الفهم والتحليل، مثل الفلسفة والمنطق والعلوم الحديثة.

التركيز على تدريس اللغات الأجنبية، ليتمكن خريجو الأزهر من التواصل مع العالم والتصدي للشبهات المثارة حول الإسلام بلغات متعددة.

2. تدشين برامج أكاديمية متخصصة

إنشاء أقسام دراسية جديدة تهدف إلى إعداد دعاة قادرين على التصدي للأفكار المتطرفة بأسلوب علمي ومنطقي.

إطلاق برامج تدريبية للأئمة والدعاة بالتعاون مع مؤسسات دولية لتعزيز قدراتهم على الحوار مع الغرب.

التوسع في الدراسات العليا وإطلاق برامج الدكتوراه في مختلف التخصصات الشرعية والإنسانية.

3. دعم الطلاب الوافدين

تقديم منح دراسية للطلاب من مختلف أنحاء العالم للدراسة في الأزهر، بهدف نشر الفكر الوسطي المعتدل.

إنشاء مراكز متخصصة لرعاية الطلاب الوافدين، وتوفير بيئة تعليمية مناسبة لهم.

التوسع في افتتاح فروع لجامعة الأزهر في دول عدة، لتعزيز التواجد العلمي والدعوي للأزهر على مستوى العالم.

مواجهة الفكر المتطرف.. الأزهر في مقدمة الصفوف

لم يكن الأزهر في عهد الإمام الطيب مجرد مؤسسة تعليمية، بل تحوّل إلى منبر عالمي لمواجهة التطرف والإرهاب، عبر مبادرات عديدة تهدف إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروج لها الجماعات المتطرفة.

1. إطلاق مرصد الأزهر لمكافحة التطرف

أنشأ الأزهر مرصدًا دوليًا يُعنى برصد الأفكار المتطرفة وتحليلها، ثم الرد عليها بمنطق علمي رصين. يقوم المرصد بنشر تقارير دورية عن الجماعات المتشددة، وتفنيد خطابها، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وذلك بسبع عشرة لغة.

2. تجديد الخطاب الديني

حرص فضيلة الإمام الطيب على تجديد الخطاب الديني ليكون أكثر انسجامًا مع العصر، وذلك عبر:

تنظيم دورات تدريبية للأئمة والدعاة لتعريفهم بأساليب الدعوة الحديثة.

تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة حول القضايا الشائكة مثل الجهاد، والتكفير، والعلاقة مع غير المسلمين.

تعزيز دور المؤسسات الإعلامية في نشر خطاب ديني وسطي يخاطب الشباب بأسلوب عصري.

3. دعم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

قام الإمام الأكبر بتفعيل دور مركز الفتوى الإلكتروني، ليكون مصدرًا موثوقًا للرد على الاستفسارات الشرعية، خاصة في ظل انتشار الفتاوى المتشددة عبر الإنترنت. يقدم المركز خدماته بعدة لغات، ويحرص على تقديم إجابات دقيقة ومستندة إلى أدلة شرعية راسخة.

الأزهر والدبلوماسية الدينية.. بناء الجسور مع العالم

إلى جانب دوره العلمي والدعوي، لعب الإمام الطيب دورًا بارزًا في الدبلوماسية الدينية، حيث سعى إلى تعزيز الحوار بين الأديان، والتقريب بين الثقافات المختلفة، انطلاقًا من قناعته بأن التعايش السلمي هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في العالم.

1. وثيقة الأخوة الإنسانية

في عام 2019، وقّع الإمام الطيب مع البابا فرنسيس وثيقة “الأخوة الإنسانية” في أبوظبي، والتي شكلت نقلة نوعية في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، حيث أكدت الوثيقة على ضرورة التعايش السلمي ونبذ الكراهية والتطرف.

2. زيارات عالمية لتعزيز الحوار

التقى الإمام الطيب بقيادات دينية كبرى حول العالم، لتعزيز قيم التسامح والتعاون.

ألقى خطابات مؤثرة في مؤتمرات عالمية، مثل الأمم المتحدة والفاتيكان، دعا خلالها إلى بناء عالم أكثر عدلًا وسلامًا.

شارك في مبادرات المصالحة بين الشعوب، وساهم في جهود إحلال السلام في مناطق النزاعات.

المبادرات المجتمعية للأزهر.. دعم الأسر والشباب والمرأة

كان للأزهر الشريف، بقيادة الإمام الطيب، دور فاعل في معالجة القضايا المجتمعية الملحّة، حيث أطلق العديد من المبادرات التي تستهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي، ومنها:

1. مبادرة “لمّ الشمل”

سعى الأزهر إلى حل النزاعات الأسرية، ومواجهة ارتفاع معدلات الطلاق، من خلال لجان متخصصة تعمل على تحقيق الصلح بين الأزواج.

2. مكافحة العنف ضد المرأة

أعلن الأزهر رفضه القاطع للعنف ضد المرأة، وأكد على حقوقها المشروعة، داعيًا إلى تمكينها في المجتمع وفق تعاليم الإسلام.

3. دعم الشباب وتوفير فرص عمل

أطلق الأزهر برامج تدريبية تهدف إلى تأهيل الشباب لسوق العمل، كما وفر منحًا دراسية لدعم طموحاتهم العلمية.

الأزهر مستمر في أداء رسالته العالمية

خمسة عشر عامًا من العمل الدؤوب أثمرت عن مؤسسة أزهرية أكثر قدرة على مواجهة التحديات، وأكثر تفاعلًا مع القضايا العالمية.
بقيادة الإمام الأكبر أحمد الطيب، يواصل الأزهر أداء رسالته التنويرية، ليبقى الحصن الحصين للفكر الوسطي، وجسرًا للحوار بين الأمم، ومنارةً تُضيء درب الاعتدال في عالم يواجه تحديات متزايدة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights