ميرنا المهندس.. الزهرة التي قاومت الريح ورحلت بعطرٍ لا يزال يُشَمّ

كتب_جوهر الجمل
في زحام النجوم، تمر أسماء كثيرة، يلمع بعضها ويخفت البعض الأخر، لكن قليلون فقط هم من يمرّون بنا كما تمرّ النسائم… خفيفة، صادقة، لا تُنسى، النجمة ميرنا المهندس كانت واحدة من هؤلاء، ورغم مرور عشر سنوات على رحيلها، لا تزال صورتها تلوح في الذاكرة وكأنها توقفت هناك عند مشهدٍ لم يكتمل، ابتسامة معلّقة، نظرة بريئة، وحلم فني لم يمهله القدر.
3 مايو لم يعد مجرد يوم في التقويم، بل هو ذكرى ميلاد ووفاة لروح مرّت سريعًا في عالمنا، لكنها تركت فيه أثرًا بليغًا، كأنها كانت تعرف أن الوقت لن يسعفها، فاختارت أن تعيش بصدق، وأن ترحل بخفة، كأنها مشهد من فيلم لم يُكتب له الختام.
طفولة غير تقليدية… وملامح بطعم الفن
وُلدت ميرنا المهندس عام 1978 في بيتٍ يحمل الفن في وجدانه، فتلقت تعليمها في مدرسة أجنبية، ودرست الباليه والغناء الأوبرالي، وكأنها كانت تجهز نفسها منذ الصغر لأن تكون مختلفة، حضورها لم يكن مجرد أداء، بل انعكاس لتكوين إنساني وفني معًا، جسّدته لاحقًا أمام الكاميرا في أدوار تميزت بالرقي والعذوبة.
من الإعلانات إلى التمثيل.. واكتشاف مبكر
بدأت ميرنا أولى خطواتها الفنية من باب الإعلانات، قبل أن يلمحها المخرج أحمد عبد السلام ويمنحها فرصة دخول عالم السينما، وفي عام 1993، كان الجمهور على موعد مع نجمة جديدة من خلال فيلم «مستر دولار» مع النجم الراحل يونس شلبي، ثم توالت الأعمال وتنوعت، وكان أبرزها مسلسل «أرابيسك» الذي كشف عن طاقتها التمثيلية، ومسلسل «ساكن قصادي» الذي رسّخ اسمها بين الوجوه الشابة.
وجع خفي.. وسكون داخلي
لكن خلف هذه الملامح الوديعة، كانت ميرنا تخوض معركة قاسية مع مرض سرطان القولون، آلام جسدية لا تُرى، وانكسارات لا يعرفها إلا من عايش المرض، وفي عام 2002 قررت اعتزال الفن، وارتدت الحجاب ثم النقاب، واختارت العزلة الروحية على وهج الأضواء، فحفظت القرآن، وبحثت عن سلامها الخاص وسط عالم متقلّب.
عودة بنضج فني.. وأدوار ذات بصمة
بعد تحسّن حالتها، عادت ميرنا مجددًا للشاشة، ولكن ليس كما كانت، بل أكثر نضجًا وعمقًا، وقدمت أعمالاً أظهرت تطورها الفني مثل:
-
«أيظن» (2006)
-
«العيال هربت»
-
«الأكاديمية»
-
«زجزاج» (2015) وهو آخر أعمالها السينمائية
أما في الدراما، فكان مسلسل «أريد رجلًا» من أنجح أعمالها، والتي أثبتت من خلاله أنها فنانة قادرة على ملامسة القلوب.
حب مؤجل… وقلب لم يُشفى
وراء الكواليس، كانت حياتها العاطفية قصة لم تُكتب نهايتها، الفنان أمير شاهين أعلن مرارًا عن حبه لها، وعرض عليها الزواج أكثر من مرة، لكنها كانت ترفض بسبب ظروفها الصحية، ورغم ذلك ظل بجوارها حتى اللحظات الأخيرة، وظل وفيًا لذكراها، في قصة إنسانية خالصة تتجاوز حدود الدراما.
الرحيل الهادئ.. سجادة صلاة ومصحف
في 5 أغسطس 2015، رحلت ميرنا المهندس عن عالمنا، لكن ليس قبل أن تترك في قلوب جمهورها مشهدًا لا يُنسى: سجادة صلاة ومصحف في غرفتها بمستشفى دار الفؤاد، لم تكن نهايتها مأساوية، بل كانت مطمئنة، كأنها وجدت السلام أخيرًا بعد صراع طويل مع الألم.
ميرنا المهندس.. حضور لا يُختصر في زمن
في النهاية، ميرنا المهندس لم تكن مجرد فنانة رحلت شابة، بل كانت درسًا في الصدق، والهدوء، والصلابة خلف الملامح الرقيقة، غاب الجسد، لكن بقي العطر، بقيت الذكرى، وبقي السؤال: ماذا لو منحتها الحياة وقتًا أطول؟
ربما لن نعرف، لكننا نعلم شيئًا واحدًا: ميرنا المهندس كانت نادرة، وستظل كذلك.