تقارير-و-تحقيقات

الميراث بين الحياة والموت: فتوى تُوضح شروط التوزيع العادل

 

تقرير: مصطفى على

في زمن تزداد فيه النزاعات العائلية بعد وفاة الوالدين بسبب خلافات الميراث، بات كثير من الآباء يتساءلون: هل يجوز أن أقسم تركتي على أبنائي وأنا على قيد الحياة؟ وهل يحق لي أن أمنح أحدهم أكثر من الآخر؟ وهل يجوز حرمان الابن العاق؟ أسئلة كثيرة تتردد على ألسنة العامة، وتجيب عنها الجهات الشرعية المختصة، وفي مقدمتها دار الإفتاء المصرية التي أوضحت في أكثر من مناسبة الأحكام التفصيلية المتعلقة بتقسيم التركة حال الحياة، ومعايير العدل في توزيعها، وموقف الشريعة من حرمان أحد الورثة لأي سبب.

تقسيم التركة في حياة الأب: الجواز بضوابط

صرّح الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بأن الأصل في الميراث الشرعي هو ما قرره القرآن الكريم: “للذكر مثل حظ الأنثيين” وهذا هو المبدأ الأساسي الذي يجب أن يُبنى عليه توزيع الميراث بعد الوفاة. غير أن الشريعة الإسلامية تتيح للإنسان أن يتصرف في ماله حال حياته كيفما شاء، بشرط أن يكون هذا التصرف جائزًا شرعًا وخاليًا من الظلم أو التمييز غير المشروع.

وأشار الدكتور فخر إلى أن قيام الأب بتوزيع أملاكه في حياته على أبنائه، سواء كان بهدف منع النزاع بعد وفاته، أو بسبب وجود مخاوف من تبديد بعض الأبناء للميراث، هو أمر جائز في أصله، لكنه مرهون بتحقيق العدل والنية الصافية.
وأضاف: “إذا خشي الأب من ضياع المال أو تضييع الحقوق بين الأبناء، وكان يريد أن يمنع الشقاق بعد موته، فلا حرج عليه في ذلك، بشرط أن يلتزم بالأحكام الشرعية للأنصبة”.

ضوابط شرعية واجبة في توزيع التركة قبل الوفاة

شدّد أمين الفتوى بدار الإفتاء على أن تقسيم الأب أملاكه حال حياته يجب أن يكون قائمًا على العدل التام بين الأبناء، وأن يُراعي في ذلك ما نصّت عليه الشريعة من حقوق، موضحًا أن أي تمييز أو تفضيل دون مبرر شرعي قد يفتح أبواب الفتنة والعداوة بين الأبناء، ويُدخل الأب في دائرة الظلم.

وفي هذا السياق، قال فخر: “إن بعض الآباء يمنحون أحد أبنائهم شقة، أو قطعة أرض، أو مبلغًا ماليًا بحجة أنه في حاجة أكثر، أو لأنه يعينه في الكِبَر، وهذا جائز إذا كان من باب الإحسان، ولكن لا يجوز أن يكون فيه ظلم لباقي الإخوة” وتابع: “يُشترط في هذا التصرّف أن لا يؤدي إلى حرمان الآخرين، أو أن يكون سببًا في شحن النفوس بعد الوفاة”.

لا يجوز حرمان الابن العاق: الميراث حق إلهي

من المسائل الشائكة التي تثار كثيرًا في الواقع العملي، رغبة بعض الآباء في حرمان أحد الأبناء من الميراث، بسبب ما يرونه من عقوق أو إساءة وحول هذا الأمر، أكد الدكتور علي فخر أن “الميراث ليس ملكًا للإنسان وإنما هو تشريع إلهي”.
وقال: “كل ما في يد الإنسان من مال هو ملك لله، جعله الله أمانة بين يديه، فإذا مات، وجب أن تُقسَّم أمواله حسب ما شرعه الله لا وفق ما يهواه البشر”.

وأشار إلى أن العقوق لا يُعد مسوغًا شرعيًا لحرمان الابن من الميراث، مستدلًا بقول الله تعالى: “يوصيكم الله في أولادكم”، وهي آية عامة لم تفرق بين الابن البار والعاق.
وأضاف: “الحرمان من الميراث قد يؤدي إلى تعميق العقوق، وربما يحمل الابن ذلك في قلبه على والده، فيحرم نفسه من البر والدعاء بعد وفاة أبيه”.

وتابع موضحًا: “الشريعة لم تجعل من العقوق سببًا لإسقاط حق الابن في الميراث، لأن الميراث هبة من الله لا يملك الأب أن يمنعها، وإذا رأى الأب أن ابنه عاق فعليه بالدعاء والإصلاح لا بالحرمان”.

هل يجوز التمييز بين الأبناء في العطايا؟

أكدت دار الإفتاء أن الأصل في العطايا بين الأبناء هو العدل والمساواة، فإذا منح الأب أحد أبنائه شيئًا في حياته، فيُستحب أن يمنح الآخرين مثله، منعًا للظلم والتنازع وفي حالة وجود مبرر شرعي مثل المرض أو الحاجة أو العجز، فيجوز التمييز بشرط الوضوح والنية الحسنة.

وشدد الدكتور فخر على أن العدل بين الأبناء في العطايا جزء من التربية الصالحة والقدوة الحسنة، واستشهد بما فعله الصحابة رضوان الله عليهم، حيث كانوا يسوّون بين أولادهم في الهبات والعطايا، حتى لا يُفتن أحدهم على الآخر، أو يشعر بالغبن أو الحرمان.

العدل أساس التوريث والحساب عند الله

اختتم أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية تصريحه بالتأكيد على أن الميراث حق لله، لا يجوز تغييره أو تعطيله، وأن على المسلم أن يرضى بحكم الله، فإن فعل، نال الأجر والثواب.
وقال: “من مات وقد راعى في حياته العدل والرحمة، فقد أدى ما عليه، وترك الأمر لله، والله أعدل الحاكمين”.

كما أكد على أهمية التوعية المجتمعية بأحكام المواريث، ونشر الثقافة الفقهية بين الناس لتفادي المشكلات التي تقع بعد وفاة المورث، والتي كثيرًا ما تتسبب في تفكك العائلات ونشوب القطيعة بين الإخوة.

يشرع للأب أن يوزع أمواله حال حياته بشرط العدل وعدم الإضرار بالورثة.

لا يجوز حرمان أحد الورثة لأي سبب، فالميراث حق شرعي منصوص عليه.

ينبغي على الأب تجنب التصرفات التي تثير الضغينة بين الأبناء، والسعي للصلح والبر.

من الأفضل أن يُترك توزيع الميراث بعد الوفاة ليُنفّذ وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights