العدوان الصهيوني على إيران يكشف انهيار النظام الدولي

تقرير : مصطفى علي
في واحدة من أخطر لحظات التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، استيقظت إيران والعالم على وقع عدوان إسرائيلي مباغت طال مواقع استراتيجية داخل الأراضي الإيرانية.
الهجوم الذي نفذته طائرات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الجمعة، جاء في سياق متصاعد من التوتر بين طهران وتل أبيب، لكنه تجاوز حدود الرسائل السياسية أو العمليات الاستخبارية المعتادة، إلى اعتداء مباشر على سيادة دولة كبرى، يحمل دلالات بالغة الخطورة على الأمن الإقليمي والدولي.
الهجوم لم يكن عملية محدودة بل غارات جوية واسعة استهدفت بنى تحتية ومواقع عسكرية داخل إيران، مخلفاً وفقاً لما نقلته وكالة “فارس” الإيرانية، ما لا يقل عن 78 قتيلاً و329 جريحاً، في حصيلة أولية قابلة للارتفاع في ظل حالة الطوارئ الطبية وسقوط عدد كبير من الجرحى بإصابات خطيرة.
انتهاك سافر للقانون الدولي: أين ذهبت شرعية الأمم المتحدة؟
بموجب القانون الدولي، وتحديداً ميثاق الأمم المتحدة، فإن الاعتداء على أراضي دولة ذات سيادة يُعد عملاً عدائياً يُصنف تحت بند “العدوان العسكري”، وهو ما يُلزم مجلس الأمن الدولي بالتدخل الفوري للحيلولة دون انهيار النظام العالمي القائم على احترام الحدود والسيادة لكن ما حدث فجر الجمعة، في ظل صمت دولي شبه تام، يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل هذا النظام، ويعكس ازدواجية المعايير الفجة التي تهيمن على المؤسسات الدولية.
المجتمع الدولي، وعلى رأسه القوى الكبرى، لم يصدر عنه سوى ردود فعل باهتة لم ترقَ إلى مستوى الحدث، وكأن الضربات التي أوقعت العشرات بين قتيل وجريح، مجرد “تبادل رسائل” لا يستدعي الإدانة أو التحرك العاجل.
الأزهر الشريف يدخل على خط الأزمة: العدوان يكشف همجية الاحتلال ويهدد الأمن الإقليمي
في موقف لافت يعكس الدور التاريخي للأزهر الشريف، أدان البيان الرسمي الصادر عن المؤسسة الدينية الأعرق في العالم الإسلامي العدوان الصهيوني على إيران، ووصفه بأنه “انتهاك سافر لسيادة الدول وعدوان صارخ على أحكام القانون الدولي”.
وأكد الأزهر في بيانه أن “سياسة الغطرسة والهمجية” التي ينتهجها الكيان الصهيوني لا تهدد إيران فحسب، بل تنذر بجر المنطقة بأسرها إلى دوامة من الفوضى والصراعات المسلحة، قد تمتد آثارها إلى ما هو أبعد من حدود الشرق الأوسط.
وأضاف أن الاحتلال يُمعن في نشر الفوضى وتقويض السلم الدولي، في غياب الردع الدولي اللازم.
وشدد الأزهر على أن الكيان الصهيوني يُمثّل خطراً حقيقياً على الأمن الجماعي، داعياً المجتمع الدولي ومؤسساته، إلى تحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية، والعمل العاجل على وقف تكرار الانتهاكات الصهيونية، واحترام سيادة الدول وحرمة أراضيها.
الإمام الأكبر أحمد الطيب: فلسطين تتعرض لأبشع إبادة جماعية في التاريخ الحديث
من قلب القاهرة، أطلق شيخ الأزهر الشريف، الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، تحذيراً شديد اللهجة من الممارسات الإجرامية التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، معتبراً أن ما يحدث منذ قرابة العامين “هو أسوأ إبادة جماعية وتطهير عرقي يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية”.
وخلال لقائه مع وزير خارجية جامبيا، مامادو تانغارا، أشار الإمام الأكبر إلى أن الكيان الصهيوني يرتكب يومياً جرائم بحق الإنسانية، من قتلٍ للمدنيين، إلى تدمير للمستشفيات ودور العبادة والمدارس، قائلاً: “هذا الكيان أثبت للعالم أجمع أنه ضد الإنسانية”.
كلمات الإمام الطيب عكست عمق الأزمة، وأزاحت الغطاء عن تخاذل المجتمع الدولي، الذي يكتفي بإدانات لفظية لا تترجم إلى إجراءات ملموسة توقف شلال الدم الفلسطيني المستمر.
دعم أفريقي متزايد للأزهر… وزير خارجية جامبيا يشيد بدور الإمام الطيب
في المقابل، عبّر وزير خارجية جامبيا عن امتنانه لجهود الأزهر الشريف في نشر التعاليم الإسلامية الصحيحة ومواجهة موجات التطرف والتشويه المتعمد للإسلام في الإعلام العالمي.
وقال تانغارا إن الأزهر يمثل صوت الاعتدال والحكمة في عالم تتعالى فيه أصوات التطرف، مضيفاً: “سأكون سفيراً للأزهر في جامبيا وفي منظمة التعاون الإسلامي التي نرأسها حالياً”.
وأشار الوزير إلى أن الأزهر قام بافتتاح مركز لتعليم اللغة العربية في جامبيا، خرّج حتى الآن 60 طالباً، كما أعرب عن سعادته بزيادة أعداد الطلاب الجامبيين في الأزهر الشريف، ومقترح تدريب الأئمة في القاهرة.
العدوان الإسرائيلي على إيران… محاولة لفرض معادلة ردع جديدة
يقرأ محللون استراتيجيون الهجوم الصهيوني على إيران باعتباره محاولة لفرض معادلة ردع جديدة في الشرق الأوسط، تقوم على تكبيل إيران وردعها عن أي رد فعل محتمل على الضربات التي تستهدف حلفاءها في المنطقة، خصوصاً في غزة ولبنان وسوريا.
لكن هذا التصعيد ينطوي على مخاطر وجودية، حيث يُتوقع أن يؤدي إلى ردود فعل متبادلة قد تخرج عن السيطرة، ما يهدد بتفجير صراع إقليمي أوسع، تكون له تداعيات مباشرة على استقرار الخليج العربي، وأسواق الطاقة العالمية، وحتى الاقتصاد الدولي.
صمت غربي مريب… وازدواجية معايير فاضحة
المفارقة المؤلمة أن نفس العواصم الغربية التي سارعت لإدانة روسيا في أوكرانيا، وتحدثت بإسهاب عن احترام السيادة الوطنية، تلتزم الآن صمتاً مريباً تجاه خروقات الاحتلال الإسرائيلي لسيادة إيران، ناهيك عن جرائمه المتواصلة بحق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
هذا التناقض في المواقف يُفقد النظام الدولي مصداقيته، ويُشعل مشاعر الغضب في الشارع العربي والإسلامي، الذي يرى أن دماءه وأرضه ليست بذات القيمة في ميزان القوى العالمية.
هل تنزلق المنطقة إلى حرب شاملة؟
لا تخفي بعض الدوائر الاستخباراتية الغربية قلقها من أن تؤدي هذه الضربات إلى رد إيراني واسع قد يطال إسرائيل أو مصالح أمريكية في المنطقة، وهو ما من شأنه أن يُفجّر مواجهة شاملة لا يمكن السيطرة عليها بسهولة.
ففي حال قررت إيران الرد عسكرياً، فإن ذلك قد يُدخل “حزب الله” في المعادلة من الجنوب اللبناني، ويدفع الميليشيات الموالية لطهران في العراق وسوريا واليمن إلى التحرك، ما يعني تحوُّل المنطقة إلى مسرح مواجهة متعددة الجبهات، قد تُغرق الشرق الأوسط في دوامة دموية لعقود مقبلة.
نداء عاجل إلى العالم: أنقذوا ما تبقى من الاستقرار
العدوان الصهيوني على إيران ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الجرائم، التي أصبحت تحدث في ظل غياب واضح لردع دولي حقيقي. ومع تصاعد الانتهاكات، وبلوغ عدد الضحايا مئات القتلى والجرحى، فإن المنطقة تدخل مرحلة شديدة الخطورة، لا يمكن فيها التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور.