صرخات الأمهات سبقت سيارات الإسعاف.. فاجعة الطريق الإقليمي بالمنوفية تكشف مأساة عمالة الأطفال في مصر

كتبت – آيـة زكـي

خيم الحزن على أنحاء مصر بعد حادث أليم أودى بحياة 19 شخصًا، غالبيتهم من الفتيات المراهقات العاملات باليومية، في حادث تصادم مروع بين شاحنة نقل ثقيل وحافلة “ميكروباص” على الطريق الإقليمي بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، أثناء توجههن إلى عملهن في مزارع العنب بدلتا النيل.

الفتيات معظمهن في عمر الزهور، خرجن من منازلهن في قرية كفر السنابسة فجرًا، بحثًا عن لقمة عيش لا تتجاوز يوميتها 130 جنيهًا، لكنهن عدن في نعوش خشبية، في مشهد مأساوي اهتزت له قلوب المصريين. وأكدت التحقيقات الأولية أن الحادث وقع بسبب السرعة الزائدة واصطدام مباشر بين المركبتين، فيما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على سائق الشاحنة بعد فراره من موقع الحادث.

جنازات صامته ودموع لا تجف

شهدت القرية جنازات جماعية مؤثرة، وسط بكاء الأمهات وصراخات الآباء، حيث التف الآلاف من الأهالي حول نعوش الضحايا في مشهد مأساوي، فيما خيم الصمت على الشوارع، وبدت ملامح الصدمة والانهيار النفسي واضحة على وجوه المشيعين.

د. حمدي عرفة: أطفال مصر يعملون بلا حماية والقانون لا يطبق على أرض الواقع

وقال الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية، إن الضحايا تتراوح أعمارهن بين 14 و22 عامًا، وبعضهن المعيلات الوحيدات لأسرهن، واضطررن لترك مقاعد الدراسة للبحث عن عمل، مشيرًا إلى أن هناك ما يقرب من 2.67 مليون طفل عامل في مصر، أغلبهم من القرى والعزب، ويعملون بأجور زهيدة لا تتجاوز 2000 إلى 3000 جنيه شهريًا (أقل من 50 دولارًا)، مؤكدًا أن 97% من مؤسسات القطاع الخاص لا تلتزم بقانون عمالة الأطفال رغم تعديلاته الأخيرة.

وأوضح عرفة في تصريحات خاصة لـ ” اليوم “، أن القانون المصري يمنع تشغيل الأطفال قبل سن إتمام التعليم الأساسي أو 14 سنة أيهما أكبر، كما يحظر عملهم في مهن وصناعات خطرة، لكن التطبيق على الأرض غائب تمامًا، لافتاً، إلى أن التعديلات الجديدة في قانون العمل رقم 12 تتضمن تغليظ العقوبات المالية على أصحاب العمل، إذ تتراوح الغرامة من ألف إلى ألفي جنيه عن كل طفل، وتُضاعف في حالة تكرار المخالفة، وقد تصل إلى غلق المنشأة لمدة لا تتجاوز 6 أشهر.

وأضاف استاذ الإدارة المحلية، أن القانون حدد ساعات العمل القصوى للأطفال بست ساعات يوميًا، مع ضرورة منحهم ساعة راحة، وإلزام صاحب العمل بإبلاغ الجهات المختصة بأسماء الأطفال العاملين ونوعية الأعمال الموكلة إليهم، لكنه أكد أن هذه البنود غالبًا لا تطبق، مشددًا على أهمية تغليظ العقوبات أيضًا على أولياء الأمور في حال تغيب الأطفال عن المدرسة، حيث تتراوح الغرامة من 500 إلى 1000 جنيه حال ثبوت عدم وجود عذر مقبول.

كشف “عرفة” أن عدد الأطفال في مصر بلغ نحو 40.9 مليون طفل، بينهم ما يقرب من 19.8 مليون أنثى، محذرًا من ارتفاع نسبة التسرب من التعليم، خصوصًا في المرحلة الإعدادية، التي بلغت 2.1% بين الإناث، مشيراً، إلى تكرار حوادث مشابهة، آخرها وفاة 11 فتاة من العاملات في جمع العنب نتيجة انقلاب معدية في نهر النيل، ما يعكس إهمالًا واضحًا في متابعة أوضاع الأطفال العاملين، وتجاهل المحافظين لدورهم في الرقابة.

نداء للمحافظين والجهات الرقابية

طالب الدكتور عرفة بضرورة تنسيق كامل بين المحافظين والإدارات المختصة برعاية العمالة غير المنتظمة في كل محافظة، للتفتيش على أوضاع الأطفال العاملين، والتأكد من وجود ضوابط حقيقية لتنظيم عملهم بما يتوافق مع القانون، مشددًا على أن تكرار هذه الحوادث يتطلب وقفة جادة من الحكومة والمجتمع.