
حوار: مروة محي الدين
في العدد السابق من جريدة اليوم فتحنا ملف المجاعة، وأثرها على النساء الحوامل والأطفال في غزة، واستكملا للملف نفتح في هذا العداد ذلك الملف الكارثي المتمثل في تشوه الأجنة، فبسبب الحرب الغاشمة على القطاع منذ ما يربو على 20 شهرًا، تزايدت نسبة تشوه الأجنة، حتى بلغت 25% من جملة المواليد في غزة- حسب تصريحات أحد مسؤولي وزارة الصحة بالقطاع في مايو الماضي، ومن هنا نستعرض جوانب التشوه، في حديث خاص مع الدكتور “أحمد الفرا”- رئيس قسم الأطفال والولادة بمجمع ناصر الطبي في خانيونس.
أطفال خداج
يمضي “الفرا” في قسم حضانات الأطفال بالمجمع، يستعرض في مقطع مصور لقطة واحدة من مشهد القتل البطئ، الذي يفرضه الاحتلال على أهل قطاع غزة، مشهد الأطفال الخداج وناقصي الوزن، باعتباره جزء لا يتجزأ من مشهد التشوه الذي خلقه الاحتلال في حربه الوحشية على القطاع.
يمشي من حضانة إلى أخرى، فنشاهد معه أطفالًا لم يمكنهم ضغط الحرب من البقاء في أرحام أمهاتهم فوق 28- 34 أسبوع، لينتهي بطفل واحد فقط بين كل أطفال القسم قد أكمل فترة حمله في بطن أمه، لكن لم ينج من مشكلة نقص الوزن، فقد ارتفعت حالات الأطفال الخداج بين المواليد لتصبح بين 60-70% من جملتهم، كما انخفضت معدلات نقص الوزن بين المواليد، لتصبح الأوزان المقبولة بين 1.5- 2.5 كيلو، بسبب سوء التغذية لدى الأم- حسب تصريحات “الفرا”.
أسباب التشوه
يقول “الفرا”: “على الرغم من عدم توفر إحصاء رسمي لتشوه الأجنة، يمكننا القول أن حالات التشوه أضحت أكثر جدا منها قبل الحرب، وذلك لعدة أسباب: الأول: الأسلحة والمقذوفات شديدة الفتك التي قصف بها الاحتلال القطاع خلال الحرب، وتقدرها التقارير الدولية بما يعادل خمس قنابل نووية، من تلك التي ألقيت على هيروشيما، إذ تتعرض السيدات الحبليات لإشعاعات تلك الأسلحة مباشرة، أو من خلال ترسيباتها في مياة الشرب الجوفية، فتكون تلك المياة الملوثة السبب الأول في السرطانات وتشوهات الأجنة”.
وفي ذات السياق، استكمل الحديث بقول: “أكد لي زملائي في قسم جراحة الأعصاب، أن أورام الدماغ والجهاز الهضمي ارتفعت بنسب مهولة”.
وتابع حديثه عن أسباب التشوه، فقال: “السبب الثاني للتشوهات والأورام هو انعدام التغذية للمرأة الحامل، حيث يعتمد جسم الإنسان على مجموعة من الخلايا تسمى (T Lymphocyte Natural Killer Cells)، وهي نوع من كريات الدم البيضاء، التي تكون مهمتها القضاء الفوري على الخلايا الخبيثة أو المشوهة، وهي بالأساس خلايا تعتمد على العناصر الغذائية، فتحتاج إلى فيتامين سي وبروتين وعناصر عذائية لتنمو وتعمل، ومن ثم تتأثر تلك المنظومة المناعية في ظل غياب تلك العناصر، ومن هنا يكون الطفل في بطن أمه عرضة للتشوهات أو عرضة للأورام هو أو أمه بعد ذلك”.
التشوهات الدماغية
أحد أهم أشكال تشوه الأجنة هي التشوهات الدماغية، وهي الحالات الأكثر انتشارا بين المواليد في غزة في زمن الحرب، حيث يصفها “الفرا” قائلًا: “زادت نسبة التشوهات الدماغية في الأطفال بعد الحرب، فأصبحنا نرى يوميًا حالات تولد بارتفاع السائل الدماغي، أو بثقب في النخاع الشوكي، أوعدم تشكل المادة الدماغية، ووصل الأمر لميلاد أطفال بدون الدماغ بشكل كامل، بالإضافة إلى تشوهات سقف الحلق والشفاه الأرنبية”.
وشرح أسباب تلك التشوهات والعوامل المؤدية لها: “في تشكل الجهاز العصبي للأطفال، نجده يتشكل من ثلاث وريقات: وريقة خارجية ووريقة وسطى ووريقة داخلية؛ الخارجية: مسؤولة عن الجهاز العصبي والجلد، وفي تكوينها تلتف حول نفسها لتشكل الأنبوب العصبي، ومن هذا الأنبوب تتشكل حجيرات وتجويفات الدماغ، ليتشكل منها المخ والمخيخ والنخاع الشوكي والحبل الشوكي والأعصاب الطرفية؛ ويعتمد تشكيل الأنبوب العصبي على: حمض الفوليك وفيتامين ب12 والأحماض الأمينية الدسمة غير المشبعة وبعض العناصر النادرة، وقد انعدمت تلك العناصر في غزة في الطبيعة وفي المكملات الغذائية، فمثلا: حمض الفوليك موجود في الخضراوات الطازجة، وفيتامين ب12 موجود في اللحوم والكبدة، وجميع تلك الموارد غير موجودة في غزة”.
وهكذا أضحى تشوه الأجنة جاثوم آخر، يبسط ظلمته على قطاع غزة، ليفقده جيلا كاملا، بما يشير بشكل واضح إلى وجود نية مبيتة لقتل مستقبل القطاع، حتى لا يكون.
إقرأ أيضًا: