الرئيسيةعرب-وعالم

في المجاعة… المرأة المعجزة من تصل الولادة  

هندسة التجويع… كيف يطحن الاحتلال غزة بالمجاعة(2)؟

تقرير: مروة محي الدين

“أسمع النساء الحوامل يقلن أنهن لم يأكلن قطعة خبز منذ أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، هذا لا يحدث في أي دولة بالعالم”.. هكذا تحدث الطبيب الغزي “عدلي الحاج”، في مقطع مصور نشره المركز الفلسطيني للإعلام على موقع التواصل الاجتماعي إكس، واصفًا معاناة 50- 60 ألف سيدة بقطاع غزة، تحت وطأة المجاعة، بفعل منع الاحتلال دخول المساعدات للقطاع منذ ما يربو على 90 يومًا، وعدوانه الغاشم على غزة.

في “اليوم” نفتح معكم ملف نساء غزة الحبليات، حيث رغيف الخبز ليس التحدي الوحيد أمامهن، فمنذ أيام قليلة أعلنت المستشفى الكويتي بالقطاع: نفاد كل مخزونات الأدوية الضرورية المخصصة للأطفال والنساء الحوامل وكبار السن، والمكملات الغذائية اللازمة لهم.

الحامل والحرب

في الحرب والمجاعة يكون مضاعفًا على المرأة الحامل، إذا لا يمكن تقديم الرعاية الصحية لمتابعة الحمل، ورعاية ما بعد الولادة بسبب أوامر الإخلاء المتكررة، كما أن استهداف المستشفيات وأماكن الرعاية الطبية، منع توفير أماكن آمنة للولادة، مهما بلغت الحالات من خطورة.

أقر ذلك الدكتور “أحمد الفرا”- رئيس قسم الأطفال والولادة بمجمع ناصر الطبي في خانيونس- في تصريحات خاصة لجريدة “اليوم”، فقال: “الحمل إذا كتب له النجاح وتم فذلك بحد ذاته معجزة، في ظل ظروف النزوح والإخلاء، والقلق والخوف، وانعدام الأمن الصحي والأمن الغذائي؛ كما تكون متابعة الحمل مشكلة كبرى، حيث يتصدر انعدام  تغذية سليمة والمكملات الغذائية التعويضية المشكلات التي تواجهها، وتحول الحرب دون وصول الحبلى إلى مركز رعاية صحية أولي أو مستشفى بسبب صعوبة المواصلات، وإن تمكنت من الوصول، يستهلك منها هذا المشوار الكثير من الطاقة، لأنها تمضي فيه سيرًا على الأقدام”.

وحتى يناير 2025، لم تكن رعاية التوليد وحديثي الولادة متوفرة إلا في 7 مستشفيات بالقطاع، و4 مستشفيات ميدانية، ومركز صحي مجتمعي واحد، وجميعها تعاني من نقص حاد في 19 نوعا من المعدات الطبية، و24 نوعا من أدوية رعاية ما قبل الولادة وأثناءها ومابعدها- حسب منظمتي الصحة العالمية وهيومن رايتس ووتش.

ومن ثم تجبر النساء على ترك المستشفيات، بعد سويعات قليلة من الولادة لتخلي مكانها لمرضى أو مصابين آخرين، وفي هذا الصدد يقول “الفرا”: “إن الوضع في أقسام الولادة بالمستشفيات العاملة مزري، حيث نحاول إخراج الحالة من المستشفى فور ولادتها، إذ تكون هناك حالة ثانية وثالثة، وطاقة الاستيعاب قليلة والإمكانيات المتوفرة كذلك، حتى نجد النساء في قسم الولادة يفترشن الأرض في انتظار الولادة، فالوضع مأساوي جدا”.

وكانت الأمم المتحدة قد قالت في إحصاء أجرته منذ عام: أن 68% من الحبليات تعرضن لمضاعفات طبية، و 20% تعرضن للنزيف و 16% للنزيف الحاد، و 12% وضعن طفل ميت، بخلاف حالات ارتفاع ضغط الدم والأنيميا والتهابات المسالك البولية.

تغذية الحامل ورعايتها

“الحامل تواجه تحديات تتمثل: في الخوف والقلق على أسرتها، وعدم توفر المياة النظيفة والغذاء السليم الذي تحتاجه؛ ومن هنا يكون مصير هذا الحمل واحد من ثلاثة: إما أن يُجْهَض نظرًا لضعف الحمل، أو يستمر لكن يولد الطفل ناقص الوزن، أو يستمر ويولد طفل خداج”- حسب تصريحات “الفرا”.

ومن هنا كان سوء التغذية وانعدام وجود مياة الشرب النظيفة أكبر التحديات أمام الحامل، وكذلك المرأة المرضع والأطفال، وحسب تقرير هيومن رايتس، تعاني أكثر من 48 ألف امرأة حامل من انعدام الأمن الغذائي بمستوى كارثي، فلا يستطعن الحصول على تغذية جيدة متوازنة، تساعدهن في الحمل ونمو الأجنة.

ونتيجة لذلك ارتفعت حالات الولادة المبكرة، وانخفاض وزن الأجنة عند الولادة،  وتشوه الأجنة، وقال “الفرا” من واقع عمله اليومي: “ارتفعت نسب الخداج في المواليد بشكل واضح، فبينما كانت نسبتهم قبل الحرب من 20-30%، أضحت اليوم بين 60-70%، أما ولادات الأطفال ناقصي الوزن، فعالميًا تتراوح أوزان الأطفال وقت الولادة من 2.5- 3.5 كيلو، لكن في غزة انخفضت لدينا معدلات الأوزان، فأضحت الأوزان المقبولة بين 1.5- 2.5 كيلو، فلم نعد نرى وزن 3.5 كيلو، وذلك بسبب سوء تغذية الأم”.

وأضاف: “الأطفال الخدج نجدهم يواجهون مشكلات في ثلاث محاور: الأول: مشكلات جهاز التنفس، وهؤلاء يحتاجون لدعم أجهزة التنفس الصناعي (Non Invasive Ventilators- NIV)، وقد دمر الاحتلال أغلبها فلم يبق منها سوى 4 أجهزة، ما يضطرنا أحيانا للمفاضلة بين الأطفال لاختيار الطفل الأقوى لوضعه على الجهاز، ومع كم المراكز والمستشفيات التي دمرها الاحتلال، أضحى المتاح لدينا 30% من قدرة وزارة الصحة في القطاع، وبالتالي أضحى لدينا تكدس في الحضانات، وعلى سبيل المثال نضع في مجمع ناصر الطبي كل طفلين أو ثلاثة مكان طفل.

وإن كتب للطفل النجاة وخرج من المستشفى، تكون الأم أمام معضلة أخرى، تتمثل في  المحور الثاني: ضعف جهاز المناعة وخطر تعرضهم لتجرثم الدم، وكثرة أمراض الطفل، فلا تكاد الأم تخرج بطفلها من المستشفى، حتى تعود مرة أخرى بالطفل، بسبب ولادتهم مبكرا وعدم اكتمال نموهم، والثالث: ضعف كسب الوزن بما يؤثر على الإدراك الذهني لديهم مستقبلا”.

الإجهاض

أعلن حساب باسم (غزة الآن)- على موقع التواصل الاجتماعي إكس- إحصاء يفيد بإجهاض 400 سيدة بالقطاع لنقص العناصر الغذائية التي كانوا يحتاجون إليها، وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في يناير 2025 بعنوان “خمسة أطفال في حاضنة واحدة”: أن معدل الإجهاض التلقائي في غزة قد ارتفع بنسبة تصل إلى 300% منذ 7 أكتوبر 2023.

جسد المرأة الحبلى

المرأة بطبيعتها تحتاج لقدر عالٍ من الرعاية والتغذية الصحية في جميع مراحل حياتها، ليعود جسدها العناصر التي يفقدها تحت ضغط الجهد، آو بسبب تطور مراحل النمو، أو لطبيعتها الفسيولوجية المختلفة في كل مرحلة عمرية، فماذا عنها إذا أضيف لجسدها جسد آخر؟ و مهما بلغ صغره فهو يتغذى من جسدها، وماذا يطرأ عليها وعلى ذلك الجسد الصغير إذا أضيفت المجاعة الإجبارية لكل ذلك؟

أجاب “الفرا” على تلك التساؤلات، فقال: “بالمنطق هي امرأة حملت على وهن، لأن كل شيء مثل الفيتامينات والحديد ناقص أو غير موجود، ومع الحمل يستنفذ الطفل كل الكالسيوم في عظامها والحديد في دمها والفيتامينات في جسدها، ومن ثم ستعاني تلك المرأة من فقر الدم الحاد، ونقص فيتامين (د) ومضاعفاته من: الآلام العظمية، والكسور، وضعف التركيز…إلخ”.

ومع تأكيده على تلك البصمة القاسية، التي يتركها الحمل في ظروف المجاعة على جسد المرأة، ثار التساؤل عن الفترة الزمنية التي يحتاجها جسدها ليعوض ذلك الأثر، فوضح “الفرا” إجابة ذلك التساؤل، قائلًا: “آثار الحمل تلك يحتاج علاجها لسنوات، مع توفير تغذية جيدة وأدوية مناسبة ومكملات غذائية، وفي الوقت الحالي تواجهنا معضلة أنه ليس لدينا طعام طازج، سواء بروتينات أو خضر أو فاكهة، فأهل القطاع منذ أكثر من 20 شهرًا لم يتناول أحد منهم لحوم طازجة او دجاج، وحتى ما يدخل القطاع من مساعدات- إن دخلت على أفضل تقدير- تكون لحوم معلبة لا فائدة منها، وبالتالي ستحتاج النساء فترات طويلة لإصلاح المنظومة الغذائية لديهن”.

رعاية ما بعد الولادة

لا تنتهي معاناة المرأة الحبلى في غزة بالولادة- إن وصلت إليها- بل تبدأ رحلة جديدة من المعاناة، حيث تحتاج المرأة بطبيعتها في هذه الظروف للبقاء بالمستشفى لبضع ساعات للاطمئنان عليها، وهو أمر غير متوفر في مستشفيات غزة، كما سلف الذكر.

كذلك تسببت الحرب وضغوطها والمجاعة وأثارها في زيادة أعداد المواليد الخدج، حيث يصف “الفرا” المشهد الصعب، في قسم الحضانات في مجمع ناصر الطبي بخانيونس، بينما ينقله لنا بكاميرا الهاتف المحمول، فيظهر في جولة سريعة أن جميع أطفال القسم ما عدا طفل واحد فقط هم أطفال خدج، معلقًا: “وهذا العدد غير مسبوق لم نكن لنراه قبل الحرب”.

وهذا الطفل يمثل تحد جديد للأم في رعاية ما بعد الولادة، حيث يقول رئيس قسم الأطفال والولادة بمجمع ناصر الطبي في خانيونس في معرض حديثه “لليوم”: “الرضاعة الطبية- التي تمثل طوق النجاة للأطفال لاسيما الخدج- بعد الولادة تمثل معضلة أخرى أمام المرأة، حيث يفطم الأطفال عن الرضاعة الطبيعية، بسبب مكوث الأطفال الخدج في الحضانات لفترات طويلة، ويكون البديل الرضاعة الصناعية غير المتوفرة في القطاع بسبب الحصار، فلا تجد أغلب الأمهات حليبا لإطعام أطفالهن سواء طبيعيًا أو صناعيًا.

وبناء عليه نجد هؤلاء الأطفال- بالإضافة لضعف بنيتهم ونقص وزنهم- يعانون من صعوبة كسب الوزن في المستقبل، فنستقبلهم ضمن حالات سوء التغذية المنتشرة الآن في أقسام الأطفال بالمستشفيات”.

واختتم حديثه بسرد بعض أنواع المعاناة الأخرى، التي تعيشها المرأة الغزاوية بعد ولادتها في تحديات عاضلة، فقال: “ما بعد الولادة غالبا ما تدخل المرأة في حالة اكتئاب شديد، وتكون حالاتها النفسية سيئة للغاية، لأنها تكون مطالبة برعاية الطفل وتوفير الأمن والأمان له، وتوفير تدفئة له في الشتاء في خيمة، حيث تخشى على طفلها من انخفاض درجة الحرارة، لاسيما مع ارتفاع أعداد وفيات الأطفال في غزة بسبب انخفاض درجة الحرارة شتاءً، وعلى الجانب الآخر مطلوب منها تحافظ عليه صيفًا من ارتفاع درجات الحرارة بالخيام، كما أنها مطالبة بتوفير الأمن والأمان له في ظروف غير مسبوقة”.

إقرأ أيضا: بالأرقام.. الحصار الإسرائيلي يخنق غزة والمجاعة تفتك بالمدنيين

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights