سد النهضة يكتمل رسميًا.. ودعوة آبي أحمد لمصر والسودان تثير مخاوف كارثية

أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، اليوم الخميس، أمام البرلمان في أديس أبابا، اكتمال بناء سد النهضة بشكل كامل، كاشفًا عن استعداد بلاده لتدشينه الرسمي خلال شهر سبتمبر المقبل، داعيًا مصر والسودان لحضور حفل الافتتاح في رسالة وصفها بـ”الودية”.
لكن هذه الدعوة قوبلت بتحذيرات قوية من خبراء في القانون الدولي، اعتبروها “استفزازًا صارخًا” ينتهك قواعد القانون الدولي، ويهدد الاستقرار في منطقة حوض النيل.
دعوة للتعاون أم تجاهل للقانون؟
وفي كلمته أمام البرلمان الإثيوبي، قال آبي أحمد إن سد النهضة لا يشكل تهديدًا لأحد، بل يمثل “فرصة مشتركة للنمو والتعاون بين شعوب النيل”، داعيًا القاهرة والخرطوم إلى تجاوز الخلافات والانضمام إلى الاحتفال بـ”الإنجاز التاريخي”.
ويُعد السد، الذي يقع على نهر النيل الأزرق قرب الحدود مع السودان، أكبر مشروع مائي في القارة الإفريقية، بتكلفة تبلغ 4.2 مليار دولار، وبطاقة إنتاج كهربائي تفوق 5 آلاف ميغاواط، ما يعادل ضعف الإنتاج الحالي لإثيوبيا.
وتبلغ سعته التخزينية نحو 74 مليار متر مكعب، ما يثير قلق دولتي المصب، خاصة مصر، التي تعتمد على نهر النيل بنسبة تزيد عن 95% لتأمين احتياجاتها المائية.
مصر: المياه مسألة وجودية
وفي هذا السياق، شدد الدكتور بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، على أن “موضوع المياه هو التهديد الوجودي الأول والأوحد لمصر”. مؤكداً أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها لن تسمح تحت أي ظرف من الظروف بالمساس بحصتها التاريخية في مياه النيل.
وقال عبدالعاطي، في تصريحات تلفزيونية سابقة مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة ON، إن احتياجات مصر السنوية من المياه تتجاوز 90 مليار متر مكعب. في حين أن حصتها الحالية من نهر النيل تبلغ 55.5 مليار متر مكعب فقط، مما يبرز حجم التحدي وخطورة أي تصرف أحادي من طرف إثيوبيا على الأمن المائي والغذائي لمصر.
دعوة تخفي انتهاكًا للقانون الدولي
وفي تعليقه على تصريحات آبي أحمد، حذر الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، من خطورة هذه الدعوة، واصفًا إياها بـ”الاستفزازية” ومحاولة لتجميل صورة سلوك إثيوبي أحادي مستمر منذ سنوات.
وقال مهران، في تصريحات خاصة لموقع “اليوم”، إن “دعوة مصر والسودان لحضور افتتاح سد النهضة تُخفي خلفها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وخاصة اتفاقية المبادئ الموقعة عام 2015، التي تشترط الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم قبل التشغيل”.
وأضاف أن إثيوبيا خرقت أيضًا الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن استخدامات المجاري المائية الدولية في غير الأغراض الملاحية، التي تُلزم الدول بالتشاور وعدم الإضرار بدول المصب.
حق الدفاع عن النفس
وأكد مهران أن استمرار إثيوبيا في فرض الأمر الواقع دون اتفاق، يشكل تهديدًا وجوديًا لمصر، ويفعل المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي الدول الحق في الدفاع الشرعي عن النفس في حال تعرضها لخطر داهم. مضيفًا: “المياه ليست مجرد مورد، بل مكون رئيسي من مكونات الأمن القومي للدولة المصرية”.
وحذر من أن تجاهل المجتمع الدولي لما يجري “سيؤدي إلى انفجار الأوضاع وتطورات كارثية لا تضر مصر والسودان فقط، بل تمس استقرار المنطقة بأكملها وتنعكس على الأمن الدولي”.
السياسات الأحادية
دعا الخبير القانوني المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى التدخل الفوري لإيقاف السياسات الأحادية التي تنتهجها إثيوبيا، مشيرًا إلى أن “السكوت على هذا النهج يفتح الباب أمام صراعات لا تحمد عقباها في حوض النيل”.
وأضاف أن “مصر أبدت طوال السنوات الماضية مرونة كبيرة والتزمت بالمسار التفاوضي، لكن إثيوبيا قابلت ذلك بالمماطلة وفرض الأمر الواقع، وهو ما لا يمكن قبوله بعد الآن”.
وشدد مهران على أن الحل الوحيد يكمن في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم ملء وتشغيل السد، ويضمن التوزيع العادل والمنصف لمياه النيل دون إلحاق ضرر بأي طرف. وقال: “أي محاولة لتسييس الملف أو تحويله إلى مناسبة احتفالية تتجاهل الحقوق المائية لمصر والسودان، ستُقابل برفض قاطع”.