“نزيف الأسفلت”.. انتشار الحوادث على الطرق ورأي الدين في تلك الظاهرة المؤلمة

تقرير : أحمد فؤاد عثمان
في كل صباح، تفتح الصحف نشراتها بخبر مفجع عن حادثة طريق راح ضحيتها شباب في عمر الزهور، أو أسرة كانت تعود من زيارة، أو طفل خرج لمدرسته ولم يعد.
حوادث الطرق في مصر تحوّلت من وقائع فردية إلى ظاهرة مجتمعية متكررة، تنذر بالخطر، وتستوجب وقفة تأمل حقيقية من جميع الجهات: الدولة، والمجتمع، والأفراد، بل وحتى من رجال الدين الذين يملكون دورًا محوريًا في التوعية.
طريق بلا أمان.. الأرقام تكشف حجم الكارثة
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، شهدت مصر خلال السنوات الماضية معدلات مرتفعة في عدد الحوادث، وارتفع معها عدد القتلى والمصابين، رغم جهود الدولة في تطوير البنية التحتية وتوسيع الطرق.
ويرجع المختصون أسباب هذه الكوارث إلى:
- السرعة الجنونية لبعض السائقين.
- الاستهتار بقواعد المرور.
- قيادة تحت تأثير المخدرات.
- تهالك بعض السيارات وغياب الصيانة الدورية.
- انشغال السائق بالهاتف المحمول أو غيره.
وفي مشهد يتكرر، تمر بك سيارة مسرعة، دون مبالاة، وكأن الأرواح رخيصة.. وكأن الطريق ساحة سباق لا حياة فيها لأبرياء ينتظرون في هدوء.
منابر الوعي.. ماذا يقول الدين؟
في هذا السياق، تؤكد المؤسسات الدينية أن الاستهتار على الطريق معصية وجريمة في حق النفس والآخرين.
يقول الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية:
“الإسلام شدد على حفظ النفس، واعتبر قتل النفس بغير حق من أعظم الكبائر. ومن يتسبب في قتل الناس بإهماله أو استهتاره، فليعلم أنه واقع في إثم عظيم، حتى لو لم يقصد القتل مباشرة.”
ويستشهد العلماء بالآية الكريمة:
﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾ [الأنعام: 151]،
ويؤكدون أن الالتزام بالسرعة المحددة، وعدم تعاطي المخدرات، والصيانة الدورية للمركبة، كلها واجبات شرعية قبل أن تكون قانونية.
شهادة من قلب المأساة
يقول “محمد شعبان”، أحد شهود العيان على حادث مروّع بطريق الدائري:
“سيارة نقل كبيرة صدمت سيارة ملاكي كانت تقل عائلة كاملة، كانوا راجعين من فرح. انقلبت السيارة، وسمعنا صراخ الأطفال.. وبعد دقائق عمّ الصمت، مات الأب والأم وطفلين، والناجي الوحيد كان طفل عمره عامين.”
ويضيف: “الطريق بقى مرعب، وكلنا بقينا خارجين من بيوتنا واحنا مش ضامنين هنرجع ولا لأ.”
الطريق.. مرآة أخلاق المجتمع
الحوادث ليست فقط مسؤولية وزارة النقل أو المرور، بل هي مرآة لأخلاقيات وسلوكيات الناس.
- السائق الذي يحترم القانون لا يفعل ذلك خوفًا من الغرامة، بل خشية من الله.
- والمواطن الذي يربّي أبناءه على الالتزام بالقيادة الآمنة، إنما يزرع فيهم قيم الرحمة والمسؤولية.
ختامنا: الحفاظ على الطريق واجب على الجميع
إن نزيف الأسفلت لا يمكن أن يتوقف إلا بيد الجميع:
- بقانون حازم ورقابة صارمة.
- بتوعية مجتمعية شاملة.
- بضمير حي لا يسمح باللامبالاة.
- وبمنبر ديني يربّي قبل أن يعظ.
ولعل دعاء النبي ﷺ يُلخص ما نحتاجه في زمننا هذا:
“اللهم إني أعوذ بك من حادث السوء، ومن موت الفجأة، ومن شماتة الأعداء.”
فلنتذكر أن الطريق نعمة، وأن الحفاظ عليها… واجب ديني، وإنساني، وأخلاقي.