
تقرير: سمر صفي الدين
في منعطف جديد يعكس عمق الأزمة السياسية داخل إسرائيل، أعلن حزب “يهدوت هتوراه” الديني المتشدد انسحابه من الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو، احتجاجًا على ما وصفه بـ”نقض الالتزامات الحكومية” بشأن إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.
ويأتي ذلك في وقت حساس، إذ لم يتبق سوى أسبوعين على بدء عطلة الكنيست الصيفية، ما يجعل مصير الحكومة مرهونًا بقدرة نتنياهو على المناورة بين شركائه المتنازعين.
شرخ في جدار الائتلاف
انسحاب ستة من أصل سبعة أعضاء حزب “يهدوت هتوراه” من الحكومة شكل ضربة قاسية لحكومة نتنياهو، التي باتت تتكئ على أغلبية هشة من 61 مقعدًا في الكنيست.
والحزب الذي يضم فصيلي “ديجيل هتوراه” و”أغودات يسرائيل” أشار في بيانه إلى أن القرار اتخذ “بعد تشاور مع كبار الحاخامات”، مؤكدًا أن الحكومة “أخلت بتعهداتها” المتعلقة بإعفاء طلاب المعاهد التوراتية من التجنيد.
ورغم أن الانسحاب لا يعني بالضرورة إسقاط الحكومة فورًا، إلا أنه يفتح الباب أمام تصعيد أكبر، خاصة إذا ما قرر حزب “شاس” المتشدد السير على نفس الدرب.
قانون التجنيد.. فتيل أزمة لا تنطفئ
الخلاف على قانون التجنيد ليس جديدًا، لكنه تفجر مجددًا مع اقتراب موعد فرض التجنيد الإجباري على طلاب المعاهد الدينية بقرار من المحكمة العليا.
والحريديم يعتبرون إعفاءهم “حقًا دينيًا”، في حين ترى أحزاب أخرى داخل الائتلاف – بما فيها شخصيات من الليكود – أن هذه الإعفاءات تزعزع أسس “الدولة اليهودية الديمقراطية” وتضعف الجبهة الداخلية، لا سيما في ظل استمرار الحرب في غزة والنقص الحاد في القوات القتالية.
ويبدو أن تمرير القانون خلال الدورة البرلمانية الحالية بات شبه مستحيل، ما يضع نتنياهو أمام خيارين أحلاهما مر: إما الخضوع للحريديم وطرح القانون رغم الاعتراضات، أو المجازفة بانهيار حكومته.
صفقة الأسرى
في موازاة ذلك، تواجه إسرائيل ضغوطا متزايدة من عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، والتي تتهم الحكومة بـ”إفشال فرص التوصل إلى صفقة شاملة” من أجل مكاسب سياسية ضيقة.
ومع ارتفاع نسبة المؤيدين للصفقة إلى أكثر من 75%، بما فيهم جمهور الليكود، يتزايد الحرج السياسي لنتنياهو.
لكن العائق الحقيقي لا يأتي فقط من المعارضة أو الرأي العام، بل من داخل الائتلاف نفسه؛ إذ يعارض كل من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إبرام أي اتفاق لا يتضمن “استسلامًا تامًا لحماس”، ويطالبان بضمانات بالعودة للقتال بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة.
حسابات نتنياهو
وفق ما نقلته صحيفة “معاريف”، عاد نتنياهو من واشنطن بقرار واضح: تمرير قانون التجنيد خلال الأسبوعين المتبقيين من دورة الكنيست أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة. لكن توقيت الانتخابات مثير للجدل، إذ أن شهر أكتوبر يتزامن مع ذكرى هجوم السابع من أكتوبر، ما يجعله موعدًا محفوفًا بالمخاطر سياسيًا وشعبيًا.
ويدرك نتنياهو جيدًا أن قبول صفقة مع حماس دون دعم اليمين المتطرف قد يهدد ائتلافه، في حين أن رفض الصفقة أو فشل تمرير قانون التجنيد قد يؤدي إلى انفجار داخلي أو تصعيد شعبي واسع، تدفعه نحو صناديق الاقتراع في وقت لا يضمن فيه الفوز، بحسب معاريف.
سيناريوهات مفتوحة
بحسب إعلام عبري، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن يسعى نتنياهو إلى تمرير الوقت حتى تبدأ إجازة الكنيست نهاية يوليو، ما يمنحه “هدنة سياسية” مؤقتة تمكنه من تأجيل القرارات المصيرية، دون إسقاط حكومته رسميًا.
أما على المدى المتوسط، فإن فشل تمرير قانون التجنيد أو انهيار مفاوضات الأسرى قد يدفع البلاد إلى انتخابات مبكرة في نوفمبر أو مارس المقبلين.
لكن يظل الرهان الأكبر على قدرة نتنياهو في المراوغة السياسية واستثمار الوقت، وهو ما أثبته مرارًا خلال مسيرته السياسية.