مبادرة “صحح مفاهيمك”.. مشروع وطني لتحصين العقول وبناء الوعي

تقرير : أحمد فؤاد
في زمن تتكاثر فيه التحديات الفكرية والسلوكية، وتتشابك فيه الخطابات بين المعتدل والمتشدد، تبرز الحاجة إلى مشروع وطني يعيد الأمور إلى نصابها، ويستنهض الضمير الجمعي للمجتمع المصري.
من هنا، جاءت مبادرة “صحح مفاهيمك” التي أطلقتها وزارة الأوقاف بقيادة الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، لتكون استجابة عصرية لحاجة وطنية ملحة.
رؤية جديدة لمواجهة قديمة
ليست هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها الدولة المصرية الفكر المتطرف، لكنها المرة التي تضع فيها المواجهة في إطار شمولي: مواجهة لا تكتفي بالرد، بل تسعى لتفكيك الجذور، ومعالجة الخلل، وكشف زيف الشعارات المغلوطة التي تتاجر بالدين وتبث السم في العقول.
المبادرة تُعلن بوضوح أن المعركة لم تعد فقط مع من يحمل السلاح، بل مع من يعبث بالفكر، ويشوه المفاهيم، ويغتال القيم الأصيلة التي تربى عليها أبناء هذا الوطن.
القيم أولًا.. لا وعظ مجرد
أبرز ما يميز “صحح مفاهيمك” أنها لا تقف عند حدود الوعظ التقليدي، بل تنظر إلى منظومة القيم المصرية باعتبارها ساحة معركة حقيقية.
تهدف المبادرة إلى رصد السلوكيات السلبية التي تغلغلت في الحياة اليومية، مثل الفردية، والانفلات الأخلاقي، والتطاول على الرموز، والانفصال عن الهوية.
ومن ثمّ، فإنها لا تكتفي بالتنديد، بل تطرح البديل، وتقدم خطابًا عمليًّا يتعامل مع واقع الناس، ويغرس قيم الرحمة والانتماء واحترام القانون.
مواجهة متعددة المستويات
الدكتور أسامة الأزهري، بخبرته العميقة في الفكر الديني والحوار الحضاري، يقدّم في هذه المبادرة تصورًا متكاملًا لمواجهة التطرف، ليس فقط عبر المساجد والمنابر، بل من خلال حشد كل مؤسسات الدولة: الإعلام، والتعليم، والثقافة، والجامعات، والمجتمع المدني، وحتى الأسرة.
المعركة التي تخوضها “صحح مفاهيمك” هي معركة شاملة، تخاطب العقل والوجدان والسلوك، وتستثمر كل أدوات التأثير المتاحة لبناء جبهة وعي قوية في مواجهة التحديات.
تحصين العقول لا تجميل الظواهر
ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم ليس فقط التجميل الخارجي، بل التحصين من الداخل.
من هنا تنطلق المبادرة، لتعيد الاعتبار للقيم المهملة، وتطرح مفاهيم الإسلام الحضاري، القائم على البناء لا الهدم، على المشاركة لا الإقصاء، على الرحمة لا الغلو.
إنها لا تعارض الحرية، بل تحميها من فوضى المفاهيم، ولا تقف ضد النقد، بل تهذب أدواته وتُعيد توجيهه بما يخدم الوطن والمجتمع.
خطوة نحو بناء الإنسان
المعركة الحقيقية، كما أكد الوزير، ليست في ساحات الحرب فقط، بل في داخل النفوس، وفي المدارس، وفي البيوت، وفي وسائل التواصل.
فان مبادرة”صحح مفاهيمك” هي مشروع بناء للإنسان المصري، تضعه في قلب الاهتمام، وتستثمر طاقاته في البناء بدلًا من أن تستسلم لقوى الهدم والتشكيك.
ولعلها المرة الأولى التي يُقدَّم فيها الخطاب الديني والفكري بهذه الصيغة التكاملية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الموروث والواقع، وبين الإيمان والعقل.
هل تنجح المبادرة؟
النجاح ليس مضمونًا بالنيات وحدها، بل بتكاتف الجهود، واستمرار الزخم، ووجود خطة واضحة للتحرك على أرض الواقع.
لكن المؤشرات الأولية تؤكد أن هذه المبادرة وُلدت من رحم التجربة والخبرة، وتحمل في طياتها بذورًا حقيقية للتغيير.
فإذا التفت حولها المؤسسات، وتفاعلت معها الأجيال الجديدة، فقد تكون “صحح مفاهيمك” بداية تحول حقيقي في مسار المواجهة الفكرية داخل المجتمع المصري.
معركة الوعي لا تقل أهمية عن معركة السلاح
في النهاية، يدرك القائمون على هذه المبادرة أن حماية الأوطان لا تتحقق فقط بالجيوش، بل بالعقول الواعية، والنفوس السوية، والقيم الراسخة.
وإذا كان البعض يرى في التطرف خطرًا ظاهرًا، فإن “صحح مفاهيمك” تؤمن بأن التراجع القيمي أكثر فتكًا، وأكثر خفاءً، لكنه لا يقل خطرًا.
وهنا تكمن أهمية أن تتحول المبادرة من شعار إلى برنامج عمل، ومن فكرة إلى واقع، ومن رؤية إلى ثقافة عامة تحكم سلوك الأفراد وتشكّل ضمير الأمة.