مفتي الجمهورية من كوالالمبور: الأديان تدعو لوأد الحروب وصناعة السلام

كتب مصطفى علي
شهدت العاصمة الماليزية كوالالمبور، صباح اليوم الخميس، انطلاق فعاليات القمة الدولية الثانية للقيادات الدينية لعام 2025، تحت شعار: “دور القادة الدينيين في حل الصراعات”، برعاية دولة رئيس وزراء ماليزيا السيد “دانو سري أنور بن إبراهيم”.
وقد كان لفضيلة الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، مفتي جمهورية مصر العربية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، كلمة بارزة أكّد فيها أن الأديان بريئة من كل صور العنف والوحشية التي تُرتكب باسمها، مشدّدًا على أن رسالات السماء لم تأتِ إلا لترسيخ قيم الرحمة والعدل، وبناء جسور الأخوة الإنسانية، وصيانة كرامة الإنسان كخليفة في الأرض.
الدين في مواجهة العنف والتشويه
أوضح مفتي الجمهورية أن إقحام الدين في دوائر العنف والإرهاب هو تشويه متعمّد لرسالته السامية، مؤكّدًا أن جوهر الرسالات السماوية هو بناء السلام الداخلي والخارجي، وحماية الإنسان من الاستغلال والتوظيف المنحرف للنصوص الدينية.
وأضاف فضيلته أن القادة الدينيين بما يحملونه من تأثير أخلاقي وروحي، قادرون على أن يكونوا شركاء فاعلين في حل النزاعات وصناعة التفاهم وبناء السلم المجتمعي والدولي، خاصة في المجتمعات التي تتداخل فيها الأبعاد الدينية مع السياسة والاجتماع.
السلام المستدام بين السياسة والأخلاق
شدد الدكتور نظير عياد على أن السلام المستدام لا يمكن أن يتحقق بالحلول السياسية وحدها، بل يحتاج إلى منظومة أخلاقية وروحية تعزّزها القيادات الدينية، مبينًا أن التاريخ الإسلامي حافل بنماذج رائدة في الوساطة وبناء التعايش، ومن أبرزها وساطة النبي محمد ﷺ بين الأوس والخزرج التي أنهت صراعات قبلية دامية وأسست مجتمعًا متماسكًا قائمًا على العدل والرحمة.
شراكة القادة الدينيين وصنّاع القرار
أكد مفتي الجمهورية على أهمية التكامل بين القادة الدينيين وصنّاع القرار السياسي ومؤسسات المجتمع المدني، معتبرًا أن هذا التعاون يوسّع دائرة التأثير ويحقق خطابًا موحّدًا يسعى لصيانة كرامة الإنسان وتعزيز فرص التعايش.
كما طرح فضيلته مجموعة من التوصيات العملية، شملت:
تنسيق الجهود عبر منصات مشتركة للحوار والتعاون.
إطلاق خطط استباقية لمعالجة الصراعات قبل تفاقمها.
تصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة خطاب الكراهية والتطرف.
تدريب القيادات الدينية على مهارات الوساطة وبناء السلام.
إطلاق “نداء الأديان” لرفض الحروب والإبادة الجماعية.
التجربة المصرية في الحوار وبناء التعايش
استعرض فضيلة المفتي التجربة المصرية الرائدة، مشيرًا إلى جهود الأزهر الشريف بقيادة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، رئيس مجلس حكماء المسلمين، في مجالات الحوار والسلام، مثل:
وثيقة الأخوة الإنسانية.
قوافل السلام الدولية.
الحوار الإسلاميالإسلامي وحوار الشرق والغرب.
بيت العائلة المصرية.
كما عرض فضيلته جهود دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ومنها:
مركز “سلام لدراسات التطرف والإسلاموفوبيا” لرصد وتحليل الظواهر الفكرية المتطرفة.
مركز “الإمام الليث بن سعد لفقه التعايش” لترسيخ قيم التسامح.
إنشاء “وحدة حوار” لتقديم المشورة ومعالجة قضايا الفكر والدين المرتبطة بالمجتمع.
نداء من كوالالمبور إلى العالم: فلسطين أولًا
في سياق حديثه عن النزاعات الراهنة، خصّ مفتي الجمهورية القضية الفلسطينية بكلمة مؤثرة، مؤكدًا أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من إبادة جماعية وتهجير قسري يمثل جرائم ضد الإنسانية تتنافى مع القيم الدينية والمواثيق الدولية.
وشدّد فضيلته على رفض مصر القاطع لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين، مشيدًا بالموقف المصري الثابت والجهود الإغاثية والإنسانية التي تبذلها الدولة المصرية لدعم أهل غزة.
القادة الدينيون صناع سلام لا رموز شكلية
اختتم فضيلة المفتي كلمته بالتأكيد على أن القادة الدينيين ليسوا مجرد رموز روحية، بل شركاء حقيقيون في صناعة السلام العالمي، وأن دار الإفتاء المصرية ستظل منارة للوسطية والرحمة، تسعى لتعزيز قيم التعايش وبناء مستقبل يسوده الأمن والسلام والعدل.
مصر ودورها الرائد في الحوار الديني
تأتي مشاركة مفتي الجمهورية في هذه القمة الدولية استكمالًا لدور مصر التاريخي في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، ونشر قيم الوسطية والاعتدال، ومواجهة التحديات العالمية بروح إنسانية جامعة، تؤكد أن الأديان طريق السلام وليست ذريعة للحروب.