
هل يمكن أن يفقد الإنسان جوهره وسط طوفان التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟ وهل يستطيع المسرح، أقدم الفنون وأعمقها اتصالًا بالروح الإنسانية، أن يظل المرآة التي تعكس قلقنا وأسئلتنا في عصر تتحكم فيه الشاشات والخوارزميات؟
المفارقة تبدو لافتة بينما يغزو الذكاء الاصطناعي حياتنا اليومية، من القرارات الاقتصادية حتى تفاصيل المشاعر عبر “الروبوتات الاجتماعية”، يعود المسرح ليطرح السؤال الأقدم: من نحن؟ إن المسرح، رغم كل التحولات الكبرى التي مرّت بها البشرية، مازال يمتلك قدرة نادرة على إعادة صياغة الوعي وإثارة الأسئلة الجوهرية حول الهوية، والذاكرة، والوجود.
فالمسرح ليس مجرد نص يُقرأ أو خشبة تُشاهد، بل تجربة إنسانية كاملة، تقوم على التفاعل المباشر بين الممثل والجمهور، هذه العلاقة الحيّة هي ما يمنحه قوة لا يملكها العالم الافتراضي، مهما بلغ تطوره، وبينما قد تمنحنا التكنولوجيا عوالم رقمية مبهرة، فإنها في الوقت ذاته تهدد بتذويب ملامحنا الفردية في بحر من “النسخ المتشابهة”، هنا، يقف المسرح كقلعة أخيرة للإنسان، يذكّرنا بأننا لسنا بيانات، بل كائنات تبحث عن معنى.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل سيكتفي المسرح بمقاومة هذا التيار الجارف، أم أنه سيعيد ابتكار نفسه مستخدمًا نفس أدوات التكنولوجيا التي تهدد وجوده؟ هناك من يرى أن دمج تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي على الخشبة لا ينفي “الروح” المسرحية، بل قد يمنحها أبعادًا جديدة، تفتح بابًا نحو مسرح أكثر ثراءً وتجريبًا، وفي المقابل، يخشى آخرون أن يتحول المسرح إلى مجرد “عرض بصري” فاقد لحرارته الإنسانية، إذا ترك زمام أمره للتكنولوجيا وحدها.
وبين هذا وذاك، تظل الحقيقة قائمة: ما دام الإنسان موجودًا، سيظل المسرح موجودًا، لأنه الفن الوحيد الذي لا يكتفي بعرض الواقع، بل يواجهنا بذواتنا، بأحلامنا، بخيباتنا، وبمخاوفنا من المستقبل.
وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سننجح في الحفاظ على هويتنا الإنسانية وسط العوالم الرقمية، أم أن المسرح سيكون آخر جبهة نقاتل فيها من أجل البقاء؟