موته أثار انقسامًا أمريكيًا.. من قتل تشارلي كيرك حليف إسرائيل؟

أثار مقتل الناشط السياسي المحافظ تشارلي كيرك، المؤسس المشارك لمنظمة Turning Point USA، صدمة كبيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها، ليس فقط لاعتباره صوتًا مؤثرًا بين الشباب المحافظ، بل أيضًا لدلالاته على تصاعد العنف السياسي الداخلي.
وقد تحول الحادث إلى محور جدل عالمي، إذ يتقاطع في أبعاده مع السياق الأمريكي الداخلي، حيث يكشف عن هشاشة الأمن الجامعي، وعمق الاستقطاب بين اليمين واليسار، ويعيد إلى السطح النقاش حول امتلاك السلاح والسيطرة على الخطاب السياسي.
اقرأ أيضًا:: تشارلي كيرك.. رصاصة في الرقبة تسقط مؤيد إسرائيل ورفيق ترامب
على الصعيد العربي، تباينت ردود الأفعال بين محاولة الربط بين الحادث والأزمات الإقليمية، وبين التحفظ على إصدار أحكام مسبقة، مع الإشارة إلى أن أي تسرع في ربط الواقعة بالقضية الفلسطينية يعكس اختزالًا غير دقيق للوقائع، إذ لم تظهر أي دلائل حتى اللحظة على وجود دوافع خارجية مرتبطة بالشرق الأوسط.
أما على المستوى الإسرائيلي، فقد ركزت بعض التحليلات على شخصية كيرك كواحد من أبرز المدافعين عن إسرائيل داخل التيار المحافظ الأمريكي، مع الإشارة إلى نشاطه في استضافة شخصيات داعمة لإسرائيل وإدماج القضية في خطاباته السياسية. ما أوجد مساحة لنظريات مؤامرة غير مثبتة حول دوافع الحادث، وهو ما يثير قلق المؤسسات الأمنية الأمريكية من انتشار معلومات مغلوطة قد تؤجج الانقسام الداخلي.
هوية القاتل لم تتضح بعد
في ضوء الأحداث، يشرح الصحفي عبد الرحمن يوسف، المختص بالشأن الأمريكي والمقيم في واشنطن، أن هوية القاتل لم تتضح بعد، وأن تصريحات مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كاش باتيل، كانت محاولة لاستباق الإعلام أكثر من كونها إعلانًا رسميًا.
ويشير يوسف لموقع “اليوم” إلى أن الرجل المسن الذي انتشرت صورته باعتباره المنفذ أُفرج عنه بعد تحقيق قصير دون توجيه أي اتهام رسمي، مؤكدًا أن القفز إلى استنتاجات حول دوافعه أو انتمائه السياسي يعد تسرعًا لا يعكس الحقيقة الواقعية.
ويضيف يوسف أن المصادر الإعلامية الأمريكية، بينها فوكس نيوز وسي إن إن، تؤكد أن إطلاق النار تم من موقع مرتفع بدقة عالية، ما يشير إلى أن العملية نفذها قناص محترف أو متمرّس، وهو ما يثبت أن الحادث كان مدبرًا بعناية وليس عملًا عشوائيًا وسط الحشود الجامعية.
جدل وسائل التواصل
في موازاة ذلك، يوضح يوسف أن ضجة السوشيال ميديا تضمنت نظريات غير تقليدية، من بينها اتهامات للموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء الحادثة، وهي توجهات نشأت في أوساط يمينية أمريكية، وليس في تيارات يسارية أو عربية.
ويشير إلى أن هذه الحسابات تبرر فرضيتها بأن كيرك بدأ يميل إلى توفير منصات لمعارضين لدور إسرائيل، وهو ما ينظر إليه على أنه تحول قد يهدد النفوذ التقليدي داخل حركة “ماجا”، ويعكس توترات داخلية في التيار المحافظ الأمريكي.
ويضيف يوسف أن هذه التفاعلات على الإنترنت كشفت انقسامًا داخليًا داخل اليمين، بين من يرى أن الحادثة نتيجة استفزاز من خصوم داخليين، وبين من يعتقد أن قوة خارجية تحركت لضرب رمزية كيرك بين الشباب المحافظ.
رمزية شخصية كيرك
ومن منظور أوسع، يشدد يوسف على أن أهمية كيرك تتجاوز شعبيته بين الطلاب، إذ يمثل رمزًا سياسيًا وثقافيًا يعكس فكرة استعادة الهيمنة للمسيحيين البيض، ويعمل على ربط الجامعات بالمؤسسات الدينية والسياسية لصالح التيار المحافظ.
ويؤكد أن الحادثة تمثل ضربة مباشرة لهذا الرمزية، خاصة أن كيرك يمتلك متابعة رقمية ضخمة تفوق عشرة ملايين شخص، ويعد مهندسًا ميدانيًا لحركة المحافظين الشباب، ووسيطًا رئيسيًا بين القيادات السياسية وقواعد الشباب الإنجيليين.
ويضيف يوسف أن فقدان شخصية بمثل هذه الرمزية سيترك فراغًا صعبًا على مستوى التأثير المباشر داخل الحزب الجمهوري وبين القواعد الشبابية، ويثير تساؤلات عن قدرة الحركة على الاحتفاظ بمناطق نفوذها الثقافية والسياسية.
ردود أفعال غير مسبوقة
ويؤكد يوسف أن ردود الفعل الرسمية كانت استثنائية، إذ أمر الرئيس ترامب بتنكيس العلم الأمريكي حتى مساء الأحد. بينما وقف مجلس النواب دقيقة صمت وأصدرت رؤساء سابقون بيانات إدانة وتحذير من العنف.
ويشير يوسف إلى أن الفيديوهات المتداولة للشباب اليمينيين. الذين يعتبرون الحادثة إعلان حرب على التيار المحافظ، تظهر حجم الاحتقان الداخلي وارتفاع نبرة التهديد قبل ظهور أي نتائج رسمية للتحقيقات.
ويضيف أن هذا الانقسام العاطفي يعكس هشاشة المناخ السياسي والثقافي داخل الولايات المتحدة. ويشير إلى خطر تحوله إلى تصعيد عنيف على الأرض إذا لم تتم السيطرة على الخطاب العام.
الإعلامي الأمريكي جاكسون هينكل: “كان تشارلي كيرك سابقًا مواليًا لإسرائيل. وخاف أن إسرائيل ستقتله، وبدأ ينتقدها بشكل خفيف، وقال إن إبستين كان تابعًا للموساد، وسمح للمعارضين للصهيونية بالكلام في فعالياته. بدأت وسائل الإعلام الصهيونية بمهاجمته، وأطلق عليه النار في وريده الوداجي من مسافة 200 ياردة. غرد نتنياهو خلال دقائق، وتم اعتقال ‘كضحية’ وتصرف بشكل مذنب، بينما القاتل يختفي دون أي أثر. نتنياهو غرد برسالة أطول. شيء ما يقودني للاعتقاد أنهم لن يخبرونا بالحقيقة حول من قتل تشارلي كيرك…”.
تصاعد نظريات متناقضة
وبالنظر إلى المعطيات، يرى يوسف أن الانقسام داخل اليمين أصبح واضحًا. حيث يرى بعضهم أن المنفذ يساري أو ليبرالي ضد ما يعتبرونه تطرفًا في خطاب كيرك، بينما يعتقد آخرون أن قوة خارجية، مثل إسرائيل، قد تكون وراء العملية.
ويضيف أن هذا الجدل يعكس عمق الاستقطاب الداخلي الأمريكي. إذ يمتزج الخطاب السياسي بخطاب الكراهية. وتتشابك التوترات الاجتماعية والثقافية مع الأيديولوجية بشكل قد يؤدي إلى مواجهات مباشرة في المستقبل.
ويشير يوسف إلى أن هذه الانقسامات تضع قيادات الحزب الجمهوري أمام اختبار دقيق لمواجهة ردود الفعل المتطرفة من كلا الطرفين. وتحقيق التوازن بين التنديد بالعنف والحفاظ على الولاء الداخلي للحركة.
مقارنة تاريخية
وعلى صعيد متصل، يقول يوسف إن الحادثة تذكر بأحداث شارلوتسفيل في أغسطس 2017. التي مثّلت نقطة فارقة في ولاية ترامب الأولى. مشيرًا إلى أن اغتيال كيرك سيكون علامة فارقة أخرى في تصاعد العنف السياسي والثقافي في الولايات المتحدة.
ويؤكد أن الولايات المتحدة تعيش ما وصفته وسائل إعلام أمريكية بـ”حرب أهلية ثقافية”. حيث يغذي خطاب ترامب الحاد الاستقطاب، وتزيد الإجراءات الأمنية الفيدرالية من حالة الاحتقان بين الولايات الديمقراطية والجمهورية.
مستقبل غامض
وبناءً عليه، يشير يوسف إلى أن مقتل كيرك لن يكون حادثة عابرة. بل نقطة تحول تاريخية ستعيد تشكيل الخطاب الثقافي والسياسي في الولايات المتحدة. وتعيد فتح النقاش حول الهوية والدور الوطني والديني للمجتمع الأمريكي.
ويضيف أن الحادث سيؤثر على النقاش حول السلاح. ويثير تساؤلات حول مرجعية القيادة والقيود القانونية. وسيصبح موضوع فلسطين حاضرًا ضمن السياق الأيديولوجي للتيار اليميني الأمريكي.
كما يعتبر يوسف أن الولايات المتحدة دخلت مرحلة جديدة من الانقسام. وأن المجتمع الأمريكي لن يعود كما كان قبل حادثة كيرك، باعتبارها نقطة تحول فاصلة في التاريخ المعاصر.