محاولة اغتيال قادة حماس في الدوحة تعيد رسم حسابات الخليج وواشنطن

لم تكن انفجارات الثلاثاء الأسود 9 سبتمبر 2025 في الدوحة مجرد غارة خاطفة أخفقت في اصطياد رأس سياسي؛ بل كانت اختبارًا لطبيعة التحالفات وحدود السيادة في الخليج.
محاولة إسرائيل اغتيال قيادات من المكتب السياسي لحركة حماس داخل قطر انتهت تكتيكياً بفشل ذريع، إذ قُتل خمسة من كوادر الحركة وضابط في الأمن القطري ونجا الصف الأول، لكنها أطلقت استراتيجياً سلسلة ارتدادات واسعة، منها استدعاء إماراتي عاجل لنائب السفير الإسرائيلي، اصطفاف خليجي معلن خلف الدوحة، وتعبير أمريكي نادر عن الامتعاض، فيما أصيبت جهود الوساطة التي احتضنتها قطر بضربة مباشرة.
من تكتيك الصواريخ إلى استراتيجية الإحراج: الدوحة – واشنطن على خط واحد
التحقيقات أظهرت أن القرار مر على سيناريوهات متعددة، كان أولها: خطة برية نوعية داخل الدوحة تم رفضها خشية نسف العلاقات مع قطر، ثم السيناريو الثاني والذي نص على ضربة صاروخية دقيقة أُطلقت من البحر الأحمر لتفادي خرق أجواء عربية لكنها أخطأت الهدف الرئيسي، لتتحول العملية من إنجاز عسكري محتمل إلى إحراج سياسي مزدوج.
واشنطن التي رعت مسار المفاوضات وجدت نفسها أمام عملية أضعفت دورها كضامن ووسيط، فيما بدت إسرائيل وكأنها تغامر بقناة تفاوض تمثل ورقة ضغطها الأهم.
الرئيس الأمريكي التقى على عجل برئيس الوزراء القطري في نيويورك لاحتواء الموقف، في ظل تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على حماية حلفائها حتى داخل أراضيهم.
حسابات الخليج بعد الدوحة: السيادة أولاً والتطبيع تحت الاختبار
في العواصم الخليجية، ارتسم خط السيادة بوضوح غير مسبوق، فمجلس التعاون أدان الهجوم واعتبره استهدافاً لمرافق سكنية خلال مفاوضات نشطة، والإمارات وصفت العملية بأنها جبانة وتصعيد خطير في خطوة غير مألوفة منذ توقيع اتفاقات التطبيع، أما الدوحة فنظمت جنازة رسمية للضحايا بحضور إقليمي لافت لترسيخ موقفها السياسي.
هذا المشهد دفع الجميع إلى إعادة النظر في كلفة مسار التطبيع؛ فالتجارة بين الإمارات وإسرائيل بلغت 3.3 مليارات دولار في 2024 بزيادة 11%، لكن الغضب الشعبي وضغط الشارع قد يفرضا خفض التمثيل الدبلوماسي أو تعليق الأنشطة العلنية إذا تكررت العمليات.
الرياض جددت تمسكها بشرط ربط أي تطبيع بمسار واضح نحو إقامة دولة فلسطينية، ما يجعل الطريق إلى اتفاقات جديدة أكثر صعوبة بعد أحداث الدوحة.
إن العملية التي أرادت إسرائيل منها إنجازاً نوعياً تحولت إلى نقطة انعطاف أعادت تثبيت السيادة كخط أحمر، وأدخلت مسار التطبيع في مرحلة مراقبة وحذر، وأظهرت أن موازين القوة في الشرق الأوسط لا تُرسم بالصواريخ وحدها بل بميزان السياسة والشرعية.