الرئيسيةعرب-وعالم

بعد تخفيض فيتش تصنيفها الائتماني… فرنسا إلى أين؟

تقرير: مروة محي الدين

في إجراء صدق على المخاوف الفرنسية، مما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، عقب مظاهرات 10 سبتمبر، خفضت وكالة فيتش الأمريكية التصنيف الائتماني لفرنسا، مساء يوم الجمعة، لتنتقل بلاد النور من AA- إلى A +، حيث تقيم الوكالة أوضاع الدول، حسب قدرتها على سداد ديونها حال الاقتراض.

إقرأ: 10 سبتمبر… حراك شعبي يدفع فرنسا صوب اللا استقرار

وكانت فيتش قد وضعت فرنسا في تصنيف (AA-)، منذ أكتوبر 2024، وذلك بنظرة سلبية، تجعلها مهددة بالانتقال إلى الدرجة الثانية، حيث تبلغ ديونها الآن 3.4 تريليون يورو.

ويقول الدكتور “محمد الألفي”- خبير الاقتصاد السياسي المقيم في باريس- حول ذلك الحدث، في تصريحات خاصة لجريدة اليوم: “هذا التخفيض كان نصف مفاجأة، حيث قدمت فيتش، في تقييمها السابق في مارس الماضي، بعض التفاصيل حول العوامل، التي يمكن أن تؤدي إلى تدهور تصنيف الألوان الثلاثة. لاسيما عدم القدرة على تنفيذ خطة موثوقة لتوحيد الميزانية على المدى المتوسط، على سبيل المثال: بسبب المعارضة السياسية أو الضغوط الاجتماعية، التي من شأنها أن تسمح بتثبيت الديون على المدى المتوسط؛ ولعل خير مثال على ذلك في فرنسا: استقالة الحكومة الفرنسية، وما أعقبها من أحداث يوم الأربعاء، التي كانت جزء من حركة (لنغلق كل شيء)”.

أسباب خفض التصنيف 

المعطيات غير المبشرة التي يعاني منها الاقتصاد الفرنسي، شكلت جملة أسباب خفض التصنيف، وقد فصلها “الألفي” في عدة نقاط: أولها “ارتفاع الدين العام:الذي بلغ 3.35 تريليون يورو، أي ما يعادل 114% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ثالث أعلى دين في منطقة اليورو بعد اليونان وإيطاليا؛ كما يزيد بمعدل 5,000 يورو كل ثانية، ليزيد الضغط على المالية العامة”.

وأضاف: “وثانيها الاستقطاب السياسي وعدم الاستقرار: حيث شهدت فرنسا تغيرر ثلاث حكومات مختلفة، منذ منتصف 2024، ما يعكس تفككاً سياسياً حاداً، وفي ذات الإطار جاء السقوط المدني لحكومة “فرانسوا بايرو”، عقب فشل خطته التقشفية- لتوفير 44 مليار يورو- في البرلمان؛ وثالثها عدم قدرتها على خفض العجز: إذ أنه من غير المرجح أن تتمكن فرنسا من تحقيق الهدف السابق للحكومة، بخفض العجز إلى أقل من 3% بحلول 2029، كما أن العجز الحالي مرشح للوصول إلى 5.4% في 2025، وهو من أعلى المستويات في الاتحاد الأوروبي”.

نقطة سوداء

سعيًا من المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية- INSEE، لتبرير فشل الاستهلاك وعدم الاستقرار السياسي، كانت النقطة الأسوأ في التاريخ الفرنسي، حيث راح المعهد يرسم صورة براقة للاقتصاد الفرنسي، في أحدث مذكراته الاقتصادية الخميس الماضي، باعتباره اقتصاد ثلاثي الألوان- وهو نموذج اقتصادي، يصنف الأنشطة إلى صلاح فئات رئيسية ممثلة بالألوان، بناء على تأثيرها على البيئة والمجتمع، وهو تطوير لفكرة الاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة.

توقع فيها أن يصل النمو إلى 0.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025، بعد أن كانت مذكرة يونيو تتوقع وصوله إلى 0.6٪، وكذلك معدل البطالة الذي يجب أن يصل إلى 7.6٪ فقط هذا العام.

ووفقًا لرؤية “الألفي”، كان ذلك نقطة مؤسفة، إذ أن “تلك النتائج كان يمكن أن تكون أفضل، إن بدأ الاستهلاك في الانتعاش، بفعل المدخرات الوفيرة، منذ بدء انتشار فيروس الكورونا، إذ يعد الاستهلاك المحرك التقليدي للنمو، لكن ذلك لم يحدث”.

سوق المال الفرنسية

وفقا للخبراء الاقتصاديين، كان تدهور الأسواق- بشكل يؤدي إلى بعض التناقضات- أمرًا متوقعًا منذ فترة طويلة، حيث يقول “الألفي”: “لا ينبغي أن يكون لهذا التخفيض تأثير كبير على المعدل الذي تقترض به فرنسا لتمويل ديونها”.

وأضاف: “ومن هنا، فإن الفائدة التي يطلبها المستثمرون على السندات الفرنسية لمدة 10 سنوات، أعلى منها في دول أخرى، مثل: إسبانيا أو البرتغال أو بلجيكا أو اليونان، في حين أن تصنيفها أقل من فرنسا؛ وعلاوة على ذلك، تساوت الفائدة التي تدفعها باريس للقروض، في عشر سنوات، مع تلك التي تدفعها روما لفترة وجيزة يوم الثلاثاء الماضي، ومع ذلك كانت أسوأ طالب في الاتحاد الأوروبي”.

كما رأى أن ذلك التدهور يرمز لما هو أبعد من سوق المال، إذ يظهر فرنسا أمام العالم باعتبارها: “بلد يثبت سياسيوه- من جميع الأطراف- عدم قدرتهم على تحقيق القليل من الاستقرار، يومًا بعد آخر، لاسيما عن طريق التصويت؛ وعليه يبقى أن نرى كيف ستتصرف وكالتا التصنيف الأخرتنان- ستاندر أند بورز وموديز؟ حيث تضع كلتاهما فرنسا في تصنيف (AA-)، ولكن بنظرة سلبية، ومن المنتظر أن يصدر تصنيف الأولى في في 24 أكتوبر، والثانية في 28 نوفمبر، وربما يؤدي تدهور التصنيف ببعض المستثمرين إلى المطالبة بمعايير، للابتعاد عن السندات الفرنسية”.

الاقتصاد الكلي

يرى “الألفي”: أن أهم “تداعيات تخفيض التصنيف الائتماني على الاقتصاد الكلي، تتمثل في ثلاثة محاور، هي: أ) زيادة تكلفة الاقتراض الحكومي: حيث سيضطر الحكومة الفرنسية إلى دفع فوائد أعلى على سندات الدين الصادرة، مما يزيد العبء على الميزانية، كما يرجح ارتفاع تكلفة خدمة الدين من 58.8 مليار يورو- عام 2024، إلى 107 مليارات يورو- عام 2029”.

وأضاف: “والمحور الثاني: ب) تراجع ثقة المستثمرين: فربما يتباطأ تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وترتفع علاوة المخاطرة على السندات الفرنسية مقارنة بالألمانية؛ جـ) ضعف النمو الاقتصادي: على الرغم من توقع نمو 0.8% في 2025، قد يحد ارتفاع تكلفة الاقتراض من الاستثمار الخاص، وقد تتأثر الاستثمارات في البنية التحتية والمشاريع العامة، نتيجة لتقييد الإنفاق”.

وحول تأثير خفض التصنيف على حركة الإقراض المحلية، توقع خبير الاقتصاد السياسي: “أولا: أن ترفع البنوك أسعار الفائدة على القروض الشخصية والتجارية، لتعويض مخاطر ارتفاع تكلفة التمويل، وعلى جانب آخر، قد ينخفض الطلب على القروض العقارية، نتيجة لارتفاع التكاليف، مما يبطئ سوق الإسكان؛

كذلك قد يتقلص الائتمان للمؤسسات الصغيرة، حيث ترفع البنوك أسعار الفائدة على القروض، وتشدد شروط الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتمد على التمويل المحلي، ما قد يؤدي إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، وارتفاع معدلات الإفلاس”.

التداعيات الإقليمية والدولية

لا تنفصل منطقة اليورو عن حالة الاضطراب السياسي والاقتصادي، التي تعيشها أهم أعضائها، فيتوقع “الألفي”: “احتمال انتقال عدم الاستقرار إلى دول أخرى، مثل: إيطاليا وإسبانيا، ما يزيد الضغط على البنك المركزي الأوروبي، حيث تعد فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في اليورو، واهتزاز ثقتها قد يهدد استقرار المنطقة بأكملها”.

وأضاف: “وبمقارنة وضع فرنسا مع الدول الأوروبية الأخرى، نجد دلالات على أن الأسواق تركز على المسار المالي، وليس مستوى المديونية، وعلى سبيل المثال: على الرغم من أن نسبة الدين في إيطاليا بلغت 138%، ما تزال تقترض بفائدة أقل من فرنسا، كما تمكنت من خفض عجزها من 7.2% عام 2023، إلى 3.4% عام 2024”.

مستقبل ملئ بالتحديات

تواجه الحكومة الجديدة برئاسة “سيباستيان ليكورنو” مهمة صعبة، في إقرار ميزانية عام 2026، وسط انقسام سياسي، وحال فشلها في خفض العجز، قد تخفض وكالتي موديز وستاندرد آند بورز التصنيف مستقبلًا.

ويتوقع “الألفي”: أن “فرنسا قد تضطر إلى خفض الإنفاق على خدمات مثل: الصحة والتعليم، أو رفع الضرائب، ما قد يزيد الاحتجاجات الاجتماعية؛ كما أنه بدون إصلاحات جذرية، قد يرتفع الدين إلى 121% من الناتج المحلي بحلول 2027”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights