قتل واتهام في الشرف وطعن في النسب بقضية واحدة
فى عالم الجريمة كل شيء مباح، اتهام وإلصاق التهم بآخرين ، ورغم هذا فالحقيقة أيضاً لا يمكن إخفاؤها مهما طال الزمان، ومهما كان فاعلها فلابد أن تأتي اللحظة الفارقة التي تكشف فيها الحقائق، ويعود الحق لأصحابه ، نحن اليوم أمام جريمة قتل ظهر فيها العنف والتجرد من الإنسانية، فالأب يقتل نجله ويدفنه بطريقة شبيهة لمسلسل ريا وسكينة ويشكك في صحة نسبه وسلوك زوجته ويوجه لها تهمة الإهمال.
القتل في مجمله قرار صعب، والإقدام على قتل المرء لأحد أفراد أسرته، خاصة لو كان ابنه، قرار لا يخرج من عقل سوي، فما بالك إذا كان مصحوبا بالتشكيك في نسب الابن له بل والطعن في شرف الزوجة أيضا.
تناول “اليوم” واحدة من أكثر القضايا التي جمعت في فصولها موبقات متعددة وسلوكيات شاذة غاية في الغرابة على مجتمع دائماً ما يوصف بأنه محافظ، لنقف على الدوافع التي أدت إلى ارتكاب جريمة مركبة، كونها واحدة من جرائم الشرف والعنف الأسري في آن واحد.
وبدموع الحسرة والندامة على فراق طفلها ، تحدثت الأم لموقع “اليوم” قائلة أنها انفصلت عن زوجها منذ أربع سنوات وحاول ردها ولكنها رفضت بسبب خلافات بينهما، فقرر الانتقام منها باستدراجه والتخلص منه.
وأوضحت الأم أنه تغيب بيوم الحادي عشر من نوفمبر من العام الماضي، أثناء ذهابه لأداء صلاة العصر وعند اكتشافها ذلك تعدى عليها والد الطفل لفظيًا واتهمها ببيعه والإتجار فيه محررًا ضدها محضر، ومن ثم سفره إلى محافظة الإسكندرية ليتم القبض عليه بعد أربعة أشهر من الواقعة ويعترف تفصيليًا بما حدث.

وتابعت: «خطف ابني وكتفه وخنقه بالحبل ونومه في برميل ودفنه تحت الأرض وصب فوقه صبة خرسانية وفوقهم حط النيش ، وبعد مرور أربعة شهور لما اتقبض عليه اعترف، ابني اتدفن مرتين مرة على يد أبوه والتانية لما لقيناه، أنا بطالب بالقصاص العادل والإعدام شنقًا لقاتل ابني، ناري مش هتبرد غير بإعدامه».
هيئة المحكمة تقرر وضع المتهم تحت الملاحظة بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية بالعباسية:
قررت محكمة جنايات سوهاج برئاسة المستشار حمدي عبد العزيز ، وعضوية المستشارين هاني صبحي ضحا، وأحمد أحمد الجندي، بأمانة سر طه حسين، وماجد أمين ، بوضع المتهم في قضية قتل نجله بمركز المراغة شمال محافظة سوهاج ، بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية بالعباسية ، ووضعه تحت الملاحظة ، مع تحرير تقرير طبي فني تفصيلي بحالة المتهم ، لمدة خمسة وأربعين يوم تحت الملاحظة ، وحددت جلسة اليوم الثالث لشهر ديسمبر من العام الجاري لورود التقرير.

موقع “اليوم” يرصد في هذا التحقيق، ظاهرة القتل بشكل موسع من كافة جوانبها النفسية والاجتماعية والدينية والقانونية:
الشرائع السماوية تحث على عدم قتل الروح والرفق بالمعاملة ومحاكمة القاتل :
وكما حثت الشرائع السماوية على عدم قتل الروح والرفق في المعاملة ، حيث أخرج الإمام مسلم من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال “إن الرفق ما كان في شئ إلا زانه ، وما نزع من شيءإلا شانه ، والتوجيه النبوي الذي يجب أن نكون عليه كبشر لأن الرفق غريزة غرسها الله في خلقه ، ولا تكن هذه الغريزة نزعت من قلوب بعض البشر فيتعاملون مع من حولهم بكل قسوة وجبروت وبدون إنسانية ، وقد ينحدر بعضهم انحدارا شديداً في طبيعته إلي القتل والبطش بأقسى أنواعه
أحكام الكتاب المقدس في جرائم القتل باستجواب الحكم:
وكما ذكر في الكتاب المقدس ” قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ، ومن قتل يكون مستوجب الحكم “، مت 21:5.
الطب النفسي يحلل شخصية القاتل من خلال تحقيقات النيابة:
فى البداية توضح الدكتورة مي محمود عبد اللاه استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان بمستشفي الصحة النفسية بسوهاج ، إننا بصدد جريمة و الجريمة المعني الخاص بها أنها تطرف لحالة إيذائية تقيد فيها الأحكام الطبية أو النفسية أو المجتمعية أو العرفية ، ولا تعمم على غيرها من حوادث تحدث بشكل عارض أو خلافي حتي لا نثير الذعر أو نعمم الدوافع أو حتى نساوي أحداث مشابهة بهذه الجريمة ، التي تتنزع فيها أي ملامح طبيعية للنفس البشرية ، أب يقتل ابنه ذي العشر سنوات انتقاما من الأم المنفصلة عنه لشكوكه المتكررة تجاهها وتجاه ابنه بطريقة فيها جزء تخطيطي و إخفاء للجريمة و ادعاء الحزن ، وطلب مكاسب من وراء اختفاء ابنه بالقتل بأن تنتزع حضانة الابن الآخر من الأم ،و اسقاط النفقات عن الأم الحاضنة لهم بناء علي دعواه بإهمال الأم .
اضطراب ذهاني تشككي اضطرابات شخصية وهلاوس سمعية :
وأكدت عبد اللاه هذا ليس الطبيعي أن يفرغ إنسان غضبه و كراهيته لشخص مختلف معه بقتل ابنه ، إنما هي جريمة قتل ابن تسمي Prolicide ، مشيراً أن الدوافع كثيرة و أرجح فيها العامل الباثولوجي ( المرضي ) للأب ربما هو مصاب باضطراب ذهاني تشككي والذي فيه تظهر الشكوك و اضطرابات التفكير و الإدراك والسلوك ، وربما يصاحبه هلاوس سمعية أو بصرية قد يسمع أصوات تأمره بقتل ابنه أو تشككه في نسبه أو ربما اضطراب ضلالي وفيه يقتنع المريض بفكرة خاطئة ثابتة لا يشاركه فيها الآخرون و يتصرف ويتجاوب من خلالها مثل ضلالات الشك و المؤامرة و العظمة و الاضطهاد و الخيانة.
اضطراب الشخصية وإيذاء الغير ورغبات الانتقام:
ورجحت طبيبة الطب النفسي أن في هذه الحالة ربما يكون لديه اضطراب من اضطرابات الشخصية التي تستلذ بإيذاء الغير و رغباتهم الانتقامية عالية ، وبدم بارد و لا يفرق فيها عواقب ولا يصاحبها ندم أو تغيير أو تراجع عند ألم الغير و يستطيع التخطيط والاحتيال و الخديعة.
إخفاء الجثة واتهام الأم بالإهمال ونزع الحضانة وسقوط النفقات والحكم على صحة قواه العقلية:
واستكملت مي ربما أوضحت هذه القضية أن القاتل استطاع إخفاء الجثة و إخفاء الأمر بل ورجع يتهم الأم أمام أهل البلد بأنها مهملة ، و يهددها على أثر ذلك الإهمال المُدعي باختفاء الابن بنزع الحضانة و إسقاط النفقات و لهذه الأسباب حكم القضاة بإيداعه في مستشفي العباسية للحكم عليه وعلى بصيرته وإدراكه عن طريق أطباء نفسيين شرعيين خبراء ، والهدف فيها تقييم حالته العقلية ومسئوليته الجنائية، ما إذا كان يعاني من مرض عقلي وقت ارتكاب الجريمة أو ذو مسئولية محددة نتيجة الدفاع عن النفس أو الاكراه ، أو تمت بشكل تلقائي دون تخطيط ومعرفة مدي خطورة الشخص عن طريق تقييم تكراريته للفعل الخطير ، قابليته للإصلاح ، عدم التنبؤ بأفعاله ، عدم القدرة على علاجه ، وقدرة الشخص على جعل آخرين مثله .
الأمر ليس متعلق بالصعيد ، فالقتل منتشر بالمجتمعات التعصبية:
وأوضحت الطبيبة خلال حديثها الأمر هنا ليس له علاقة بالصعيد والحفاظ علي القيم ، القتل منتشر أكثر في المجتمعات التعصبية و القبلية ، ومنهم الصعيد المشهور بالثأر و العنف و التفاهم في كثير من القري بالنبوت و السلاح و خلافه .
تحليل نفسي يعود لرد كرامة القاتل لجرح الرفض بعد الإنفصال :
وأشارت خلال حديثها أن وجود جريمة ثقيلة على النفس بهذا الشكل فهو أمر له قشور وجذور ، كرد كرامة جرح الرفض بعد الانفصال ، وجذورها تتشابك لضلالات شك تكررت حسب الروايات في هذه القضية مع زوجتيه الحالية والسابقة ، وبعدها جذور سوء تقويم و تقييم حالة هذا الوالد بعد الانفصالين السابقين وهو يتهم زوجته باتهام لا يقبله مجتمعنا و لا يقبله الدين.
إقامة حدود في حالة ثبوت صحة قواهم العقلية :
وطالبت عبد اللاه بأن تقام حدود على مروجيهم في حالة صحة قواهم العقلية و افتقاد التقويم والتقييم ينتج عنهم إطلاق آلاف المؤذيين و المرضي الذين يحتاجون لتصحيح وعلاج ليعيثوا فسادا في الأرض ، أطفال قدامي وجدد و زيجات مختلفة ، نفقات لا توفي ، خلافات على لقمة عيش الأبناء حتي بعد غياب مؤثر الخلافات الزواجية بالانفصال ، رغبات انتقامية ، استدراج للأبناء وإلهائهم و مرحلة الاستقطاب لأحد الأبوين كما حدث في هذه القضية (( تعالى وهديك عشرة جنيه)) ، معاملة الطبيعي لغير الطبيعي من شأنه حدوث جرائم خفية وظاهرة.
خلل تأهيلي لفحص اضطرابات الشخصية :
وتري الدكتورة مي من خلال منظورها أن هذه القشرة هي عدم تفعيل دور الأخصائين النفسيين و الاجتماعيين لمثل هذه الحالات أو عدم تدريبهم التدريب الكافي لفحص مصلحة الأطفال و أهلية الأبوين ، مع عدم وجود نص قانوني مُلزم بإيداع الآباء الذين ثبت بطلان ادعاءاتهم خصوصاً في قضايا النسب وخلافه لامتثالهم لعلاج نفسي كامل ،ولا أنسي وجود خلل تأهيلي من قِبل المختصين لفحص اضطرابات الشخصية و وضعها في الاعتبار عند وضع الأطفال في أيادي أفراد مختلة باحترافية .

الدوافع العرضية و العاطفية بجانب الاقتصادية والاجتماعية:
وتحدث الدكتور خالد أبو دوح أستاذ علم الاجتماع بجامعة سوهاج ، أن الجرائم التي تقع بطريقة وحشية أو طريقة فيها تجاوز كبير لما هو معتاد من طرق لجرائم القتل، مثل هذه الجريمة التي نحن بصددها، الكثير من المعاني في الطريقة التي تحدث بها جريمة القتل، وغالبا ما ترتبط هذه المعاني بالعديد من الدوافع العرضية أو العاطفية أو غاضبة، علاوة على الدوافع الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
تجاوز الأطر الأخلاقية وظهور الانهيار الاخلاقي بالمجتمع:
وتعتبر الجريمة التي نحن بصددها عن انهيار أخلاقي كبير، حيث أن الجاني والضحية أقارب من الدرجة الأولي، وهنا تجاوز للكثير من الأطر الأخلاقية والعلاقات القرابية التي لها قدسية وحرمة كبيرة، فالإقدام على مثل هذه الجريمة هو تعبير عن أن هناك انهيار أخلاقي، وحقيقة لا بد أن تصلنا الرسالة الأخلاقية الكامنة في هذه الجريمة ومؤداها أن مجتمعنا بدأ منذ سنوات يشهد العديد من صور الوهن الأخلاقي والتجاوز الكبير للمعايير والقيم والأعراف الاجتماعية.
الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تؤدي لفقدان الفرد السيطرة على حياته :
وأكد الدكتور خالد أننا لا نستطيع أن ننكر أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يؤدي دور كبير في فقدان العديد من الأفراد للسيطرة على حياتهم، والعجز عن إشباع احتياجات أسرهم الأساسية، مما قد يدفعهم إلى ارتكاب أشكال من الجريمة، وفي أقصي درجاتها اللجوء إلى القتل الذي يحمل رسائل قوية تعبر عن فقدان السيطرة وفقدان الأمل، وانسداد الأفق طويل المدى، كل هذا قد يدفع الفرد إلى فقدان السيطرة على نفسه وعلى اتجاهاته، مما يجعلنا نشاهد مثل هذه التصرفات والجرائم الغير معتادة.
جريمة القتل تعود لمؤشر خلل في البنية الاجتماعية :
واختتم أبو دوح حديثه من المهم أن نستوعب أن هذا النمط من الجرائم ولو كان بأعداد محدودة هو مؤشر على أن هناك خلل في البنية الاجتماعية، يجب الانتباه إليه، وأن تعمل مؤسسات الدولة على وقاية المجتمع من تداعيات هذا الخلل، من خلال التعليم والتربية الأخلاقية، والعمل بجدية على حل المعضلة الاقتصادية، وان تكون هناك خطوات وسياسات فعالة لتجنيب الأفراد مشقة الحياة وصعوبات توفير الاحتياجات الأساسية.

الجانب القانوني لارتكاب جرائم القتل :
ويقول محمد إبراهيم فاضل محامي الأم ، والموكل عنها بالدفاع ،أن المادة 230 تنص على أنه كل من قتل نفساً عمدا مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد يعاقب بالإعدام .
كما نصت المادة 231 على أن الإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط.
وأوضح فاضل أن المادة 232 نصت على أن الترصد هو تربص الإنسان لشخص في جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إلى إيذائه بالضرب ونحوه.
