مقالات

الدكتور هشام حنضل يكتب: المولد النبوي الشريف وفضيلة الصدق

نحتفي كل عام في الثاني عشر من ربيع الأول بمولد خير خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولعل الغرض الرئيس من الاحتفاء بالمولد هو التذكرة لأولي الألباب، فالإنسان منا يحتاج دائمًا من يذكره بدينه وفرائضه وأصوله وأيضًا بقيمه وأخلاقه المستقاة من ديننا الحنيف.

وبمناسبة الاحتفاء بمولد المصطفى سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، لعلنا نتساءل: ما هي أفضل طريقة للاحتفاء بالمولد النبوي الشريف؟ الرد واضح وسهل وجلي للكثيرين، وهو حسن الاقتداء بالرسول الكريم وبسنته الشريفة. لقد كان رسولنا الكريم يلقب – حتى قبل الإسلام – بالصادق الأمين، فصفة الصدق – وهو عكس الكذب – هي من أهم، بل يمكن أن تكون هي الأهم صفات المسلم. يعرف الصدق في الإسلام بأنه قول الحق ومطابقة الكلام للواقع.

وقد أمرنا الإسلام بالصدق في كل كلامنا وأفعالنا، فقال الله تعالى في قرآنه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ” (التوبة: 119). وحث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على الصدق، فحينما سئل: هل المسلم يسرق؟ قال: يسرق ويتوب. هل المسلم يفعل كذا وكذا؟ في كل مرة يجيب: يفعل ويتوب. ولكن عندما سئل: هل المسلم يكذب؟ كان الرد قاطعًا: لا، المسلم لا يكذب. ولما كان الكذب عدم موافقة الظاهر من الكلام والأفعال للباطن، فإن الكذب يعد من علامات النفاق والرياء، حيث ذكر الرسول الكريم أن آيات المنافق ثلاث منها: “إذا حدث كذب”.

ولكن لماذا يكذب الناس؟ الإجابة: يكذب الإنسان إما لتحقيق نفع دنيوي أو لتجنب ضرر (عقاب) دنيوي، والرأي عندنا أن صفة الرجولة والشهامة تنتفي – ولو مؤقتًا – عن الكذاب حين يكذب، فالكذاب شخص ضعيف يعتقد أن الكذب هو ملجأه الوحيد، ولا يعلم أن الصدق طمأنينة ومنجاة في الدنيا والآخرة، حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “تحروا الصدق وإن رأيتم فيه الهلكة، فإن فيه النجاة، واجتنبوا الكذب وإن رأيتم أن فيه النجاة، فإن فيه الهلكة”.

والصدق أنواع: منه الصدق مع الخالق، ويعني الإخلاص في الأعمال كلها لله، أي التخلص من كل مظاهر الرياء والنفاق والسمعة، فالعمل الذي لله يجب أن يكون خالصًا لله، فالله لا يقبل أن يشاركه أحد. وهناك الصدق مع الناس، فالمسلم لا يكذب في حديثه مع الآخرين، ويكون ظاهره موافقًا لباطنه في الأقوال والأفعال. أيضًا هناك الصدق مع النفس، فالمسلم لا يخدع نفسه، ويقر بعيوبه وأخطائه ويصححها، ويتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الكذب ريبة والصدق طمأنينة”.

والصدق يؤدي حتمًا إلى محبة الله والرسول ومن ثم الجنة، والكذب عكس ذلك يؤدي في النهاية إلى النار، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّابًا”.

ولقد اتسم كل الأنبياء والرسل بالصدق كما ورد في القرآن الكريم، فيقول رب العزة في كتابه الكريم: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا” (مريم: 41)، وقال: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا” (مريم: 54)، وقال عن يوسف عليه السلام: “يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ” (يوسف: 46)، وقال عن إدريس عليه السلام: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا” (مريم: 56).

ومن ثمار الصدق تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى واتباع رسوله الكريم. والصدق يؤدي حتمًا إلى مراقبة الله عز وجل في السر والعلانية، ومن ثم تجنب الأقوال والأفعال التي تؤدي إلى غضب الله. ولكن هل الصدق ضروري للمجتمع؟ أي: هل يمكن أن يستفيد المجتمع إذا تحلى أفراده بالصدق؟ الإجابة جلية: نعم، فلا ريب أن الصدق في المجتمع يؤدي إلى شيوع المحبة والتسامح بين أفراده، ومن ثم تنشأ علاقات قوية متماسكة بين الأفراد، ويُبنى على ذلك تحقيق النمو والتنمية المنشودة، بل ويتحقق العدل بين الأفراد، أي يتحقق مفهوم التنمية الشاملة بمعناها الاقتصادي، فالفرد الصادق في قوله وعمله هو اللبنة الأساسية لمجتمع قوي متماسك متقدم، فضلًا عن شيوع الأمن والأمان في المجتمعات الصادقة، وشيوع البركة العاجلة والآجلة لقوله صلى الله عليه وسلم: “فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما”.

وجملة القول أن الصدق يقود إلى كل ما يفيد الفرد والمجتمع ويحقق الخير في الدنيا والآخرة، والكذب يؤدي إلى كل ما هو ضار للفرد والمجتمع ويحقق الخسران المبين في الآخرة. فهل عزيزي القارئ تجد شيئًا أفضل وأهم من الصدق للفرد والمجتمع؟

أ.د. هشام حنضل عبد الباقي الجعبيري 

أستاذ الاقتصاد – كلية التجارة – جامعة المنصورة 

Email: habdelbaki@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights